عقود "الجابرو" ترى النور

 

عقود "الجابرو" ترى النور

أخيراً .. وبعد ثلاثة مقالات من إطلاق التحذير من النقص الشديد لمادة "الجابرو"، والارتفاع الجنوني لأسعاره، تحركت شركة قطر للمواد الأولية وأعلنت، وللمرة الأولى، عن إبرام صفقة لشراء مليوني طن من منتجات المحاجر من شركة إماراتية وليست قطرية (انظر الشرق 21/8/2015). ونحن هنا لا نعلق على إصرار المسؤول القطري على التعاون مع كل ما هو غير قطري. ومع أن هذا يعتبر مخالفاً لوصية رب العالمين في قوله "قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ" البقرة: 215، ولكن وبما أن الشركة التي أبرم معها العقد شركة خليجية فإنها تستحق كل خير. وحاولت الدخول لموقع الشركة للبحث عن أي شيء له علاقة بالصفقة ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل لأن هناك، كما هو واضح، تكتماً شديداً على هذه الصفقة. ولهذا فإننا سنركز على شفافية عقود الشركات الحكومية، وفي الإعلان عن الصفقات التجارية التي تبرم مع الغير.
أولاً: شفافية عقود الشركات الحكومية: كنا نتمنى أن يتم الإفصاح عن حجم الصفقة الحقيقي، والشروط الجزائية، ونوع المواد التي تم التوقيع عليها. لأن ما ذكر بنص التصريح بالجريدة هو "تأمين ما يقارب 2 مليون طن من منتجات المحاجر". فكلمة "تأمين" لا تعني بالضرورة الالتزام بتوريد الكمية المطلوبة. أما كلمة "ما يقارب" تعني أن حجم الكمية المتعاقد عليها ليست هي 2 مليون طن. أما "من منتجات المحاجر" فهي قد تعني "الجابرو"، وقد تعني الحجر الجيري الذي أغلقت وزارة البيئة المحاجر والكسارات القطرية ليتم توريده من الخارج وتضيف للاقتصاد القطري أعباءً لا داعي لها. الأمر الآخر في الشفافية هو إلزامية قيام الجهة المتعاقدة بالإعلان عن سعر الشراء. فإعلان سعر الشراء مهم لمعرفة هل التزمت الشركة بالأسعار، والميزانيات المعتمدة، أم هي تجاوزتها لمصلحة طرف على طرف آخر. إن الشفافية في إعلان الأسعار أمر لابد منه لتحقيق إجراءات حوكمة الشركة. فالشركة لا تعمل بأموالها الخاصة بل بأموال الشعب القطري، ولهذا يجب أن تخضع كافة إجراءات الشركة الحكومية للوائح الحوكمة، ومن حق الشعب القطري أن يعرف هل تمت مراعاة الأعراف التجارية في هذه الصفقة وغيرها من الصفقات؟ علماً أن أسعار مواد المحاجر في الإمارات معلومة عند الجميع. النقطة الأخرى أن التصريح لم يذكر بدء مواعيد التوريد. فإذا كان موعد التوريد فوراً بعد توقيع العقود فهذا دليل على أن الشركة تحاول تغطية العجز بأسرع ما يمكن، وهذا جيد لأنه مؤشر يبين استجابة الشركة للسوق. وفي نفس الوقت فإنه مؤشر غير جيد، لأنه يبين أن الشركة لا توجد لديها خطط وإنما تتعامل مع المشكلات وقت حدوثها، وهذا لا يتناسب مع وضع السوق المرتبك في مادة "الجابرو". أما إذا كان التوريد سيبدأ مع بداية السنة القادمة فهذا يعبر عن التخطيط غير الموفق للشركة، وإنها لم تكن تقرأ وتحلل السوق بشكل جيد، وربما كانت هناك أسباب أخرى خفية للتأخير لا نعلم عنها. ومن مبادئ الشفافية أيضا الإعلان عن باقي الصفقات السابقة واللاحقة وكمياتها وتكلفتها وفترات توريدها لكي يطمئن السوق المحلية من تدفق المادة الضرورية للبناء. كما من الأهمية أيضاً أن تعّرج الشفافية على حركة بواخر "الجابرو" في الموانئ القطرية بهدف معرفة مدى تطبيق العدالة والمساواة في تفريغ السفن الواردة وأنه لا يوجد أي تجاوز لأي طرف على الآخر. أيضا نتمنى على الشركة من منطلق الشفافية أن تعلن عن أسماء مالكي ومديري الشركات الحقيقيين التي أبرمت معها الصفقات، لأن الشفافية في هذا الأمر سوف تبين نزاهة التعاملات وعدم التفضيل بين الموردين بناءً على الاسم أو العائلة أو العلاقات المختلفة.
ثانياً: حجم الصفقة: لقد ذكرنا فيما سبق أن حجم الطلب على مادة "الجابرو" في حدود 60 مليون طن في السنة وذلك حتى 2020 (انظر الشرق 9/8/2015)، في حين أن حجم الكمية بالعقد يقارب 2 مليون طن من منتجات المحاجر. فلو تخيلنا أن الصفقة كلها من "الجابرو"، وهذا أمر مستبعد، لأصبح لدينا توريد شهري من مادة "الجابرو" بما يعادل 167 ألف طن (يعني حمولة سفينتين شهرياً)، وهذا رقم متواضع جداً لسوق يعاني من نقص في مادة "الجابرو". إن هذه الكمية المتعاقد على "تأمينها" وليس "توريدها" تعني بأسلوب آخر أن الشركة تحاول بقدر استطاعتها إبقاء السوق يعاني من الأسعار المرتفعة حتى لا ينافسها القطاع الخاص في السوق، وهذا يبعد الشركة عن أهداف إنشائها. إنه من المهم للشركة أن تجعل الأسعار للمقاول المواطن بحدود 130 ريالا للطن حتى تضمن السعر المنافس للمقاول الأجنبي (بأسعار أقل من 90 ريالا قطريا) وهذا يبعد الشركة أيضاً عن أهدافها. (سنتكلم إن شاء الله عن الشركة وأهدافها وتضارب المصالح في مقالة قادمة)
وفي الختام نقول إن كان لابد من الاحتكار فيمكن للشفافية أن تحد من التجاوزات باستخدام قوة الاحتكار، كما يمكن أن تحد من هرولة المحتكر لغير القطري وتفضيله على القطري. والشفافية أيضاً ستعمل على توازن السوق وتحقيق العدالة في المنافسة الشريفة. إن الشفافية المرجوة سوف تبين للجميع كمية المعروض وحجم الطلب والأسعار الحقيقية، وسوف تبين كمية الواردات وأسعار الشحن والنقل وكمية المخزون، بهدف بث روح الاطمئنان لكافة الأطراف من توافر الكميات المناسبة بالأسعار المناسبة والجودة وعدم ترك المجال للإشاعات التي تتسبب في إرباك السوق ورفع الأسعار. نسأل الله الهداية وتثبيت الخطى لنا ولكم.
والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع