احتكار وقود

 

احتكار وقود

قبل رمضان كتبت عن مبادرة وزارة الاقتصاد والتجارة لتمكين الشباب اقتصادياً. وذكرت أن المبادرة ابتكارية، وتخدم شريحة كبيرة من المجتمع القطري، ولكنها ستفشل إذا اكتفت الحكومة بتوفير السجل التجاري والمباني بدون أن تكسر احتكار الأنشطة وتوفير الأسواق المضمونة (الشرق 31 /5/ 2015). ومنها انتقلت لمناقشة احتكار سوق النقل وكيف أن هذا الاحتكار ضيع الكثير من الفرص الواعدة لرواد الأعمال من الشباب لممارسة نشاط النقل مباشرة أو من خلال ممارسة الأنشطة الأخرى التي سوف تتولد كداعم لنشاط النقل (الشرق 7 /6/ 2015). وفي موضوع احتكار الفحص الفني (الشرق 14 /6/ 2015) ذكرت أن كسر هذا الاحتكار سيشجع قطاع عريض من الشباب لفتح مراكز لخدمة صيانة المركبات بجانب تقديم خدمة الفحص الفني والخدمات المساندة، مثل قطع الغيار والتورنة وخدمة الإسعاف على الطريق وغيرها الكثير. وأن كسر هذا الاحتكار سيحقق موردا إضافياً لخزينة الدولة. واليوم سأتكلم عن الاحتكار في محطات تعبئة أو ضخ الوقود.
بدأ نشاط توزيع الوقود في قطر من خلال شركة نفط قطر وبعد ذلك تم إنشاء الشركة الوطنية لتوزيع البترول (نودكو) (فرع من قطر للبترول) لتتولى مهمة إنتاج وشراء وتخزين مشتقات الوقود وتوزيعه لكافة أنحاء دولة قطر في حين يتولى بيع تلك المشتقات على الأفراد محطات الضخ التابعة للقطاع الخاص. ولم يكن هناك طابع موحد لتلك المحطات وكان ينعدم فيها الأمن والأمان. وبدلاً من قيام الحكومة بفرض مواصفات قياسية للمحطات تشمل نوعية الخدمات المطلوب توافرها وإجبار أصحابها بمستوى موحد من التصميم وأجهزة المراقبة، قامت في 2002، بإنشاء شركة قطر للوقود "وقود"، كشركة مساهمة عامة تعمل في تخزين وتوزيع وتسويق منتجات النفط والغاز، ومنحتها امتياز الموزع الحصري لكافة منتجات المشتقات النفطية ضمن دولة قطر. وبهذا الامتياز انتقلت عملية تسويق وتوزيع المشتقات من نودكو إليها، في حين احتفظت قطر للبترول بالمصفاة. ولم تكتف "وقود" بهذا بل قامت بالدخول في مجال إنتاج زيوت المحركات ومهمة استيراد وتوزيع البيتومين والغاز البترولي المسال للأغراض المنزلية. وكانت شهية "وقود" أكبر فقامت بما تملكه من احتكار بمنع منح التراخيص للقطاع الخاص لإنشاء محطات الضخ، وقامت بدورها في إنشاء وتطوير سلسلة من محطات الضخ في مختلف أنحاء قطر. ويا ليتها وقفت عند هذا الحد، فقامت بتزويد هذه المحطات بمرافق لغسيل السيارات يدوياً وآلياً، وخدمات تبديل الزيوت، وإصلاح وتبديل الإطارات، وورش صيانة وتصليح أعطال السيارات ومرافق لخدمة العملاء مثل المتاجر ومقاهي الانترنت والمقاهي المختلفة. واستمرت بالتوسع فقامت بشراء شركة قطر للفحص الفني واستبدلتها بشركة "وقود" لفحص المركبات "فاحص". وما كان هذا ليتم لولا أن الدولة أصدرت قوانين احتكارية لمصلحة "وقود" وحرمت منها القطاع الخاص. بجانب ذلك وفرت الدولة لها الأرض بالمجان والكهرباء والماء بأسعار مدعومة. وكانت هدية "وقود" للشعب أنها قامت في 23 /1/ 2011، وبما تملكه من أدوات احتكارية، برفع أسعار المشتقات النفطية بنسب تصل في بعضها إلى 100 %. وطبعاً، وكما درجت عليه الشركات المحتكرة، بدون الحصول على موافقة وزارة الاقتصاد والتجارة.
لا تعنينا أسعار المشتقات النفطية مع أنها أدت إلى زيادة في أسعار مختلف السلع في قطر مما رفع أسعار السلع والخدمات وزاد من معدل التضخم، إن الذي يعنينا هو احتكار "وقود" لكثير من الأنشطة الخدمية هي في الأصل من أنشطة القطاع الخاص. إن إغلاق الباب أمام شركات القطاع الخاص ترتب عليه غياب أجواء المنافسة بتنوع وجودة الخدمات وأسعارها من جهة وحرمان شريحة كبيرة من رواد الأعمال في الولوج لهذه القطاعات من جهة أخرى. إنه لن تستطيع أي جهة، بسبب الدعم غير المحدود من الدولة، منافسة "وقود". ولقد نشرت "الراية" تحقيقاً مطولاً بتاريخ 20 /7/ 2014 عددت مشاكل احتكار "وقود" لسوق المشتقات النفطية ومن أهمها الطوابير الطويلة، واختفاء بعض المنتجات، وارتفاع أسعار الخدمات التي تقدمها مقارنة بالمحطات الأخرى. بينما كتب بشير الكحلوت (الشرق 24 /5/ 2015) مشكلة محطات "وقود" بأن الزبون "مرشح للوقوف ما يزيد عن نصف ساعة من أجل الحصول على البنزين فقط، أما إذا أراد خدمات الصيانة فإنه بحاجة إلى إجازة عارضة من العمل". والسبب في ذلك يعود إلى "أن أعداد السيارات بأنواعها قد تضاعفت أكثر من مرة، ولم يواكب ذلك نمو موازِ في عدد محطات وقود" وفي نفس الوقت لم يسمح للمحطات القديمة أو لغيرها من شركات القطاع الخاص في بناء محطات وقود جديدة أو على الأقل التوسع في القائم منها.
وفي الختام نقول ‏إن "وقود" لا ترحم وتكره أن تنزل رحمة الله على عباده. إن الحل أمام تردي خدمات "وقود" بسيط جدا وهو فتح رخص محطات ضخ الوقود للقطاع الخاص بمواصفات واشتراطات سلامه عالية وتصميم مطور وإلغاء احتكار "وقود". إن الاحتكار من جهة، وعدم قيام وزارة البلدية والتخطيط العمراني بتحديد مناطق توزيع المحطات بشكل يتناسب مع الكثافة السكانية من جهة أخرى (لا تزال الكثير من المناطق بالدوحة وبعض المدن الرئيسية ليس بها محطات ومانعين غيرهم من إنشائها). وعدم فتح مجالات جديدة من جهة ثالثة أدت إلى إعاقة خطط التنمية بالبلاد، وبخاصة في بلد يعلن أميرها ورئيس مجلس وزرائها، في كل مناسبة، تشجيع القطاع الخاص للمشاركة بجدية في برامج التنمية الاقتصادية. يا "وقود" تكسبوا وخلوا غيركم يتكسب والأصلح هو الذي سيستمر.
والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع