"الجابرو" وكأس العالم 2022

 

"الجابرو" وكأس العالم 2022

وردتني اتصالات عديدة من المتابعين لمقالاتي يستفسرون عن علاقة "الجابرو" بكأس العالم 2022. ولهذا أتوقف هذا الأسبوع عن مواصلة التحدث عن أشكال وأثر الاحتكار في قطر وذلك للإجابة عن هذا التساؤل. في البداية نقول ان "الجابرو" أو "Gabbro" هو صخور نارية تكونت في أعماق كبيرة من سطح القشرة الأرضية، وتكوينه يتشابه مع تكوين الجرانيت. ولقد تدخلت قوى حركات الصفائح التكتونية للأرض في خروجه إلى سطح الأرض على شكل جبال. ويستخدم "الجابرو" أساساً فى رصف الطرق والشوارع وذلك لعدم قابليته للإذابة بسبب العوامل الجوية. أما استخدامه في البناء فجاء تنفيذاً لمقترح من أحد الاستشاريين في قطر، لمقاصد يعلمها في قرارة نفسه، وليس كمطلب أساسي لأهميته في البناء. مع العلم بأنه يوجد في قطر منطقتين بهما حجر جيري صلب يمكن الإستعاضة به عن "الجابرو" في البناء.
ونأتي الآن لموضوعنا الأساس وهو تأثير "الجابرو" على استضافة قطر لكأس العالم 2022. كتبت صحيفة البيان الرياضية بتاريخ 3 /6 /2015 "ان لجنة التفتيش الخليجية، الخاصة بتنظيم النسخة 23 لكأس الخليج المقرر إقامتها بالكويت في يناير 2016، قلقة جداً من المنشآت الكويتية". والمنشآت الكويتية المقصودة هي فقط استاد نادي النصر واستاد جابر المعتمدان لاستضافة البطولة. يعني تجهيز ملعبين فقط أثار القلق، وربما يترتب عليه قيام رؤساء الاتحادات الخليجية بسحب البطولة من الكويت. ولكننا عندما نتكلم عن كأس العالم 2022 فإننا لا نتكلم عن ملعبين فقط، بل نتكلم عن العديد من الملاعب، والمنشآت الرياضية المتكاملة، وخدمات طبية عالية المستوى، وقدرات فندقية وسكنية تكفي الملايين القادمة، وبنية تحتية تستوعب حركة الجماهير المتوقعة وغيرها الكثير والكثير. ولا ننسى أن هناك العديد من الدول تسعى جاهدة لسحب البطولة من قطر، أو على الأقل إفشالها.
لقد ارتفعت أسعار "الجابرو" محلياً من 72 ريالاً قطرياً إلى حوالي 115 ريالاً قطرياً للطن في خمسة شهور فقط، ولم يكن هذا الارتفاع، كما ذكرنا، في بلد المنشأ، بل بسبب الطاقة التفريغية التي لا تتناسب مع كمية المستورد. وسينتج عن هذا الكثير من المشاكل من أهمها ارتفاع أسعار الخرسانة الجاهزة، أو ما يسمى "Ready Mix". فالخرسانة الجاهزة كانت منذ مدة يسيرة تباع بحوالي 320 ريالا للمتر المكعب، وصلت الآن إلى 400 ريال للمتر المكعب ومن المتوقع أن تصل في الشهور القادمة إلى أكثر من 600 ريال. فالمقاول المحلي للمجمعات السكنية والأبراج وحتى الطرق والشوارع سيصبح أمامه مشكلة كبيرة وهي إما الخسارة الأكيدة في التنفيذ بحسب سعر عقد المناقصة الراسية عليه، وإما الحد من خسارته بالمجازفة بفقدان مبلغ التأمين الذي دفعه. وهذا الأمر شهدناه في أسياد 2006. ولكن الدولة هذه المرة طلعت ذكية فقد قامت بتكليف شركة قطر للمواد الأولية بتوفير كل المواد الخام لمشاريعها بهدف تجنب الدخول في قضايا مع الشركات الأجنبية، والأهم بسعر ثابت لا يتغير. انها معادلة المستحيل، وكون قطر دولة تحقيق المستحيل فقد تحقق ذلك على ارض قطر لمنفعة المقاول الأجنبي. وأهملت الدولة والشركة تزويد القطاع الخاص بحاجته من هذه المادة المهمة بأسعار مناسبة. وبه أصبحت عملية البناء والتعمير في القطاع الخاص، سواء لمشاريع 2022 أو للمشاريع الخاصة من بناء مساكن أو بناء استثماري، عرضة لارتفاع التكلفة غير المبرر.
إن الدولة تعتقد أنها خرجت من المأزق بتوفير المطلوب لمقاوليها الأجانب، ولكن هيهات هيهات، فمن المتوقع في الأشهر القادمة أن تصيب العدوى مشاريعها حيث ان العقود الأكبر سوف تأتي قريباً. فربما حاجة مشاريعها في الوقت الحاضر في حدود 20 مليون طن، ولكنها سترتفع يشكل حاد، مع نهاية 2016، ولن تستطيع الأرصفة الحالية التكيف معها، مما سيؤثر على الأسعار، وعلى تقدم المشاريع الرئيسية والفرعية التي تخدم احتياجات كأس 2022. فما هو حل هذه المشكلة؟ هناك عدة حلول لهذه المشكلة بعضها دائم والآخر مؤقت ولن نتكلم عن الحلول الدائمة ولكننا سنتكلم عن حل مؤقت واحد فقط. فكما هو معروف أن قطر تمتاز بسواحلها الطويلة ويمكن استغلال جزء من هذه السواحل مؤقتاً من قبل القطاع الخاص لاستيراد مادة "الجابرو" بطريق الدوب. ولا يخفى عليكم أن القطاع الخاص قادر على الدخول في استثمارات ضخمة في هذا المجال. لكن لتحقيق ذلك فإنه لابد من كسر احتكار موانئ "الجابرو" مع فتح تراخيص جديدة للقطاع الخاص ونتمنى أن يشمل فتح التراخيص على رخص مصانع الإسمنت والرمل المغسول ورمل النجيان "سنتكلم عن الشركة وتوجه إدارتها وعلاقتها بهذه المواد في مقالة قادمة".
وفي الختام نقول: شكراً لكم يا دولة قطر ويا شركة المواد الأولية على تفضيلكم للشركات الأجنبية على الوطنية في توفير المواد بأسعار ثابتة. ولأن الشركات الوطنية غالية عندكم فلا بد من حساب الأغلى عليها (أمس كانت أسعار "الجابرو" 125 ريالا للطن تسليم الصناعية). ونقول نعم للفعاليات، نعم للبطولات، نعم للتنمية ولكن نقول لجميعها وبصوت عال "لا" ان كانت على حساب الوطن والمواطن. ونفيدكم بأنه لو تأخر وصول "الجابرو" فإن معظم شركات الردي ميكس ستتوقف عن العمل لأن مادة "الجابرو" مادة أساسية في عملها. وعندما يقل المعروض عن المطلوب فإن الأسعار لن تتحرك للأعلى، بل ستقفز قفزاً للأعلى. وما نقول إلا الله يعين من سيفكر بإنشاء منزله الخاص، وفي نفس الوقت الله يعين دولة قطر في الزيارة القادمة لوفد التفتيش الدولي التابع للفيفا.
والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع