احتكار موانئ "الجابرو" وكأس 2022

 

احتكار موانئ "الجابرو" وكأس 2022

لقد استرعى انتباهي سرعة ارتفاع أسعار "الجابرو" من 72 ريالاً للطن في مارس 2015 الى أن وصل سعره، في بداية شهر أغسطس 2015، حوالي 115 ريالاً للطن. ولكن ما هي أسباب هذا الارتفاع الخطير في سلعة استراتيجية تؤثر على أسعار الخرسانة الجاهزة وأسفلت الطرق والشوارع؟ وبحكم اتصالي مع بعض أصحاب الكسارات في رأس الخيمة أقول إنه مع هذه الزيادة التي وصلت الى الضعف في دولة قطر إلا أنه لم ترتفع أسعاره، ولا جزء من الريال القطري، في بلد المنشأ، وهذا دليل على أن زيادة الأسعار ترجع أساساً الى أسباب محلية.
وبالبحث عن أسباب ارتفاع أسعار "الجابرو" وجدت أن هناك أسباباً عديدة من أهمها، وليست كلها، التالي: 1. منطقة مسيعيد الصناعية: التي قامت بتوزيع كل الأراضي المخصصة لتخزين "الجابرو" لشركات غالبيتها تدعي أنها تعمل في مجال استيراد "الجابرو" ولكنها في الحقيقة لم تستورد أي كمية منذ الحصول على تلك الأراضي، مما أجبر المستوردين الجادين بشراء حق الانتفاع من المؤجرين بملايين الريالات القطرية، أو على الأقل القيام بتأجير تلك الأراضي، من تلك الشركات، بمبالغ خيالية مما أثر على سعر "الجابرو" للمستهلكين.
وقد طالبت عدة مرات بسحب الأراضي من الشركات التي لا تمارس عملية الاستيراد ومنحها لمن يمارس النشاط. وفي كل مرة يقولون سنخطر المستأجرين للأراضي الحكومية وسنقوم باعادة توزيعها من جديد. وكل ذلك كان كلاما في كلام مما يقودنا الى التفكير بأن هناك اسبابا أخرى تأتي في الحساب، وهى لا تهتم من قريب أو بعيد باحتياجات المواطنين. 2. الطاقة التفريغية لموانيء "الجابرو": وهذا السبب هو من أهم الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار "الجابرو" في قطر حيث تصل السفن المحملة "بالجابرو" لتفرغ شحنتها ولكنها تتفاجأ بعدم وجود رصيف للتفريغ مما يضطرها للانتظار مدة من الزمن خارج الميناء. وقد وصلت فترة الانتظار لبعض السفن مدة 40 يوماً. وكل يوم انتظار يكلف صاحب الشحنة حوالي 000ر10 دولار (40 يوماً × 000ر10 دولار = 000ر400 دولار × 65ر3 سعر الصرف = 000ر460ر1 ريال ستضاف للسعر الاجمالي للشحنة.. والسؤال: من سيدفعها؟).
إن السوق القطري، نتيجة الطفرة الهائلة والمشاريع الضخمة التي صاحبت فترة الاعداد لآسياد 2006، شهد نقصاً في "الجابرو" مما تسبب في ارتفاع أسعاره ومن ثم ارتفاع أسعار الخرسانة الجاهزة. الأمر الذي أدى الى توقف شركات مقاولات عالمية عن العمل من اجل انهاء أكثر من نصف مشاريع آسياد 2006 لأن تكاليف انهاء تلك المشاريع أصبحت بأضعاف مضاعفة عن المبالغ التي رصدت لعقود تنفيذها، مما أدخل الحكومة وتلك الشركات في أروقة المحاكم المحلية والعالمية. وقامت الدولة، بسبب نقص المواد الأولية، بإنشاء شركة قطر للمواد الأولية لتأمين حاجة السوق المحلي من المواد الاولية للبناء وخدمة مشاريع البناء عبر ادارة وتوريد المواد الاولية والمحافظة على استقرار الأسعار. ولكن انشاء هذه الشركة (التي سنتكلم عنها، إن شاء الله، في مقال قادم) جاء متأخراً جداً، ولم تستطع الحد من الصعود السريع لأسعار "الجابرو".
وعندما فازت قطر، في 2010، بحق استضافة كأس العالم 2022، بدأت أصوات رجال الأعمال في قطر ترتفع مطالبة الحكومة بالاستعداد لمثل هذا الحدث المهم ببناء أرصفة مناسبة لاستقبال مادة "الجابرو". ولكن، وللأسف، فان ادارة موانئ "الجابرو"، التي تعلم أن استهلاك قطر من مادة "الجابرو"، بحسب الدراسات العلمية، سوف يصل حتى عام 2020 الى 60 مليون طن سنوياً، لم تستعد لهذا الأمر ولم تتعظ بما حدث في السابق. ومع أن الادارة السابقة للشركة قامت برفع الطاقة التفريغية السنوية لموانئ "الجابرو" من 20 مليون طن الى 30 مليون طن، إلا ان ذلك أقل بكثير من المطلوب.. أما الشركة بحلتها الجديدة، بعد أن خضعت لاعادة هيكلة كاملة، لم تستطع أن تزيد طاقة التفريغ سوى بأربعة ملايين طن فقط. والمشكلة أن الشركة بحلتها الجديدة ركزت على مشروع "السيور الناقلة" متناسية أن السيور لن تعمل إلا إذا رست السفينة على الرصيف المخصص لها.
إن المشاريع العملاقة التي تشهدها الدولة خلال الفترة المقبلة تحتاج، حتى لا تؤثر على فترة انجاز المشاريع، لمزيد من رفع طاقة التفريغ لتوفير مادة "الجابرو"، وقد تقدمت شخصياً بحلول عملية لرفع الطاقة التفريغية لتصل الى 60 مليون طن بدون الحاجة الى أرصفة اضافية ولكني صدمت بكلمة شكراً فانه يوجد لدينا حلول جاهزة لهذا الأمر. وهذا في حد ذاته يدعو للأسى، فلا هم استمعوا للحلول ولا هم طبقوا ما لديهم من حلول جاهزة لهذه المشكلة. والمشكلة الأكبر أن لجنة المقاولات في الغرفة التجارية لم يقدموا أي حل وكأن هذا الموضوع لا يعنيهم وفضلوا السفر والتمتع في اجازة الصيف على معالجة المشكلة!!.
وفي الختام نقول إن حجم المشاريع الضخمة أكبر بكثير من سعة التفريغ والتخزين، وإن عدم اتساع الموانئ وعدم سحب أراضي "الجابرو" الحكومية غير المستغلة هي مسببات النقص من "الجابرو" وأن ما يحدث قد يؤثر على موقف قطر من كأس العالم 2022.. انني أدعو وبشكل جاد لكسر الاحتكار وان لم يكن ذلك، فعلى الأقل ان تحدد الجهة المتسببة في ارتفاع الأسعار وتحاسب على اخفاقاتها المتكررة التي تنم عن عدم وعيها لحجم المشكلة، أو لافتقارها الخبرات الكافية لادارة نشاط حيوي بالغ الأهمية يصل أثرة الى المواطن البسيط.
والله من وراء القصد.a

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع