احتكار الفحص الفني

 

احتكار الفحص الفني

في 1997 تم إنشاء شركة قطر للفحص الفني، كشركة مساهمة قطرية، وتم منحها امتيازاً لفحص واستخراج شهادات للمركبات أنها صالحة للاستخدام الآمن على الطرق بقصد تجديد استمارات المركبات السنوية، وفي منتصف 2009 تم الإعلان عن استحواذ شركة وقود على شركة قطر للفحص الفني عن طریق الضم وأنشئت تبعاً لذلك شركة وقود لفحص المركبات "فاحص". وكنا نعتقد أنه بذلك الضم ستنتهي المعاناة، ولكنها وللأسف زادت. فبعد حوالي عقدين من العمل فإن الشركة لا تملك سوى أربعة أفرع تقدم خدماتها للجمهور بالإضافة إلى محطة متنقلة واحدة تتحرك مرة واحدة في الشهر ومخصصة للمناطق البعيدة. والعجيب أن "فاحص" قامت بإلغاء تعاقدها مع شركة TUV الألمانية التي كانت تشرف على ضبط وتحديد معايير أجهزة الفحص الفني ومراقبة عمل جميع المعدات والأجهزة، وبه أصبح الفحص الفني في قطر ومعداته بدون معايير عالمية.
إن موعد الفحص الفني أصبح هماً كبيراً ينتظره أصحاب المركبات كل عام، فالزحام الذي يمتد ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة لا يزال موجوداً، والإجراءات كل سنة تتعقد، وحتى طريقة تعامل الموظفين الفنيين بالشركة مع المركبات، حسب رأي عدد من المراجعين، تزيدها أعطالاً. وعندما تصل المركبة إلى جهاز الفحص تبدأ دقات قلب صاحبها تتسارع لأنه لا يعرف نتيجة الفحص التي في الغالب قائمة طويلة من الأعطاب على المركبة يجب إصلاحها، الأمر الذي أدى لهروب أصحاب المركبات من كابوس الفحص الفني من خلال شراء سيارات ذات استمارات تمتد صلاحيتها لمدة عام أو 3 أعوام، وذلك تجنباً للوقوف في طابور الانتظار وتكرار المعاناة مرات ومرات، ولهذا، وبحسب رأي تاجر سيارات مستعملة، فإن العديد من المواطنين يبحثون عن السيارة التي تملك استمارة جديدة حتى ولو دفعوا فيها مبلغا أكبر مما تستحقه، وبسبب كل ذلك أصبح لدينا ما يعرف بسوق الفحص السوداء وهي أن يقوم من رسبت مركباتهم بسبب أعطال جسيمة بالاتفاق مع مندوبي أي كراج بالتكفل بإنجاح المركبة مقابل مبلغ 000ر1 ريال قطري عن طريق أخذ المركبة إلى الورش الخاصة بهم وتبديل القطع المتضررة لحين تجاوز المركبة الفحص الفني ثم يقومون بإعادة القطع القديمة إليها.
وبما أن الفحص هو اختبار رسمي للمركبة فإن من يقوم به يجب أن يخضع لأجهزة الدولة، مثله مثل اختبار المدارس، لأن أي خطأ يحدث فإنه من المفروض أن تحاسب عليه الدولة ممثلة في حكومتها، ففي بريطانيا يقع الفحص الفني تحت إدارة وتنظيم وزارة النقل ولهذا سمي فحص MOT وهو يعني Minister of Transport Test ويمكن لأي بريطاني أن يتقدم للحصول على ترخيص لإنشاء وإدارة مركز فحص فني بشرط حصوله على موافقة "وكالة معايير السائق والمركبة" بوزارة النقل التي تجبره على الالتحاق بدورات دراسية فنية، وفي نفس الوقت تقوم هذه الإدارة بزيارة الكراجات للتأكد من توفر العمالة الفنية الماهرة، ومن التقيد الكامل بكل شروط الفحص الفني ومقابل ذلك تأخذ رسوم تأهيل على كل كراج، ومبلغا ماليا نظير الحصول على الإجازة الفنية للمركبة، وهناك أيضاً غرامات مالية وإغلاق وتحويل للمحاكم لكل من يخالف شروط الفحص الفني، ولهذا نجد أن الفحص الفني في بريطانيا يقوم على عدد كبير من الكراجات المعتمدة فنياً (تبلغ أكثر من 20 ألف كراج يعمل بها أكثر من 53 ألف موظف فني). ولو اقتبس النظام البريطاني وطبق في قطر لخفت الزحمة ولتشجع قطاع عريض من الشباب لفتح كراجات تقدم خدمة صيانة المركبات بجانب تقديم خدمة الفحص الفني، ولا ننسى الخدمات المساندة مثل قطع الغيار والتورنة وخدمة الإسعاف على الطريق وغيرها الكثير. وسيحقق هذا النشاط موردا ماليا يضاف لخزينة الدولة، إن تشجيع الشباب على الدخول إلى هذا المجال مهم جداً لأنه سينهي الصفوف الطويلة أمام محطات الفحص الفني، سينهي تعطيل مصالح أصحاب المركبات واللعب بأعصابهم، سينهي العودة بعد صيانة المركبة بعد تصليح الأعطاب، تقليص الأعباء المالية الإضافية بسبب إعادة الفحص مرات عديدة، أي أعطال بالمركبة سيتم إصلاحها مباشرة، والأهم من ذلك سينهي تجارة الفحص السوداء. إنه ليس من المعقول أخذ إجازة من العمل ليوم كامل ليظل الشخص واقفاً أو حبيس سيارته لمدة قد تصل إلى ساعتين ويكون عليه معاودة المعاينة في اليوم التالي كون السيارة لم تنجح في الفحص، وذلك لسبب متعلق بطفاية حريق أو مسمار غير محكم أو حتى من أجل المخفي للسيارة أو إشارة بسيطة أو خدش صغير، وكل ذلك يستطيع عمله وبسهولة بالغة من سيقوم بالفحص الفني من الشباب، وفي الختام، وفي حالة الإصرار على الشركة، فإنه على الحكومة القيام بتحويل الشركة المساهمة إلى جهة تنظيمية، وليس كما هو الحال جهة تنافسية تعرقل تقدم نشاط القطاع الخاص الذي لن يستطيع، بأي شكل من الأشكال، منافسة هذه الشركة بسبب الامتيازات والحقوق الممنوحة لها، فالشركة يجب أن تكون شركة تجارية متساوية في الحقوق والامتيازات لباقي الشركات، أو أن تتحول إلى جهة منظمة للقطاع الذي تعمل فيه، ومع ذلك فإننا ننصح وبقوة زيارة موقع Driver and Vehicle Standards Agency على الإنترنت . لقاؤنا الأسبوعي معكم سيتجدد، إن شاء الله، بعد عيد الفطر السعيد، وننتهز هذه المناسبة لنهنئ سمو الأمير المفدى وجميع من يسكن على هذه الأرض الطيبة بحلول شهر رمضان الكريم ونتمنى لهم صياماً مقبولاً وذنباً مغفوراً.
والله من وراء القصد

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع