التمكين الاقتصادي للشباب

 

التمكين الاقتصادي للشباب

وردتني رسالة هاتفية من أخي مدير مكتب سعادة وزير الاقتصاد والتجارة يدعوني لحضور منتدى التمكين الاقتصادي للشباب الذي تنظمه الوزارة لتشجيع الشباب على إطلاق مشاريع وأفكار ابتكارية تعزز ريادة الأعمال بالدولة. وفي البداية تحدث معالي رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية مؤكداً "إيمان دولة قطر بأهمية تمكين الشباب ليكونوا قادة المستقبل من خلال تسليحهم بالمعرفة لبناء وإدارة المشاريع المستدامة في كافة الأنشطة الاقتصادية المختلفة". وأضاف معاليه "أن الحكومة عملت بشكل مستمر على إزالة جميع العقبات، وتوفير كافة السبل التي تؤهل الشباب للدخول في عالم الأعمال لمستقبل أفضل لدولة قطر". وأكد معاليه "أن كل الوزارات والمؤسسات الحكومية تعمل على تنفيذ كافة الوسائل والمتطلبات ليكون الشباب ركيزة أساسية لتحقيق أهداف دولة قطر" وختم معاليه كلمته بأنه على "ثقة من قدرة أبنائنا وبناتنا على تحقيق العديد من الإنجازات في مختلف القطاعات، فالإنسان هو المهندس الأول لبنيان حياته وخطة نجاحه أو فشله". ومن ثم تسلم منصة الخطابة سعادة وزير الاقتصاد والتجارة الذي أكد "سعي قطر لتحقيق تنوع اقتصادي مستدام بعيداً عن صناعة النفط والغاز التي ستنتهي مع نهاية المخزون، وذلك بهدف ضمان استمرار المستوى الاقتصادي والرفاهية التي نعيشها هذه الأيام". وأضاف سعادته "ولهذا لابد من الإرتقاء بمستوى الوعي لدى الشباب ليدركوا دورهم في قطاع الأعمال، وعليه يصبح لزاماً علينا أن تشخيص التحديات التي تواجه رواد الأعمال حتى نتمكن من اعتماد خارطة طريق ترسم للشاب مستقبله ومستقبل وطنه". لقد استمتعت كثيراً بطموح القائمين على أعمال المنتدى وطموح وزارة الاقتصاد والتجارة ورغبتهم الجادة للإرتقاء بمستوى العمل والإبداع. وفي هذا فإني أطالب هذه الوزارة الجادة بأن يمتد دورها إلى تشخص السوق، ومراجعة الإمتيازات والحقوق والتمويلات الممنوحة لما يسمى بالشركات "الوطنية"، بقصد تحرير السوق من الاحتكار، وخلق البيئة التنافسية التي تستند إلى الإبتكار والجودة والإدارة.
إننا لا نشك أبداً في رغبة ونزاهة الحكومة القطرية، ولا في نية وجهود بعض المسؤولين المخلصين في البحث عن الحلول المثلى لمشكلات الاقتصاد والسوق المحلي، ولكني ضد عبارة "الارتقاء بمستوى الوعي لدى الشباب" التي تكررت في المؤتمر، وأرى أن تستبدل بعبارة "الارتقاء بمستوى الوعي لدى المسؤولين". إن الشباب واعي ومدرك لدورة المحوري في الإرتقاء بالوطن، ولدية من الحس والحماس الملتهب للمشاركة الفاعلة في البناء والتطوير، لكن لا توجد ثقة من المسئولين في الشباب القطري، ولا توجد فرص حقيقية، ولا أيادى مسئولة لديها إرادة جادة تشد من عزم الشباب، ولا امتيازات تفضيلية، ولا سوق حرة تمثل بيئة صالحة للمنافسة. فعندما أراد المسؤولين إنجاح بعض الشركات "الوطنية" منحوها دعما ماليا بدون سقف، وضمانات للممولين غير محدودة، وأراضي، ومنشآت، وقوانين، وامتيازات وحقوق احتكارية. وللأسف أن هذه الشركات "الوطنية" تجعل الأولوية في عقودها التجارية "لغير القطريين"، في حين لم يمنح الشباب ولا حتى 1 %، مما منح لتلك الشركات التي لا تزال تستنزف أموال الشعب.
إن المبادرة التي أطلقتها وزارة الاقتصاد والتجارة لتمكين الشباب هي مبادرة صحيحة 100 % ونستطيع القول أنها ابتكارية وتخدم شريحة كبيرة من المجتمع القطري. ولكن كل ذلك يعتمد على آلية التنفيذ. وهنا تبدأ المشكلة. فهذه المبادرة، حسب وجهة نظري، تعتبر فاشلة إذا اكتفت الحكومة بتوفير الأمور المادية والمعنوية لإنشاء السجل التجاري بدون أن توفر الأسواق المضمونة. فالكثير من الشباب المبتكر قام بإنشاء سجلاً تجارياً، ولكنه لم يستطع الدخول إلى السوق القطرية المحتكرة من الحكومة ومن بعض الجنسيات الوافدة، فكان نتيجة ذلك أن خرجوا من السوق محملين بالخسائر والديون. إن قانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن حماية المنافسة نص في جميع مواده، ما عدا المادة (6)، على منع أي ممارسة تؤدي إلى منع المنافسة أو تقييدها أو الإضرار. ومنع حتى الأشخاص ذوي السيطرة أو الهيمنة من القيام بممارسات غير مشروعة. لكننا نجد الواقع على خلاف ما ذكره القانون، وذلك بسبب المادة (6). إن المشكلة، حسب ما أرى، ليست في القانون، ولكنها تتمحور حول قدرة الحكومة على استخدام قوتها لإنهاء مثل هذه الممارسات غير السوية، وأن تضع نصب أعينها، أولاً وآخراً، مصلحة رجال الأعمال والمستهلكين بعيداً عن أية مجاملات أو محسوبيات. إن على الحكومة، إذا أرادت نجاح خطة تمكين الشباب، إطلاق ما يسمى بحزم المشاريع المتماثلة والجاهزة للعمل، وتطرحها واحدة تلو الأخرى، وتدعو الشباب للتقدم لتلك المشاريع، مع قيامها بتوفير سوق مضمونة تنافسية، مع حماية الشباب من خلال وضع تدابير وقائية لمواجهة كل أشكال الممارسات التعسفية والتمييزية، ولا ننسى القضاء على الشكل الاحتكاري بالسوق، وتوفير الاستشارات، والأراضي، والتمويل بشروط ميسرة. وإذا كانت الحكومة عاجزة عن كل ذلك، فإنه من الأصوب أن توفر الحكومة للشباب الوظيفة المناسبة بعيداً عن مقارعة من لا يستطيعون مقارعته.
وفي الختام، نقول إن المشكلة ستبقى قائمة إلى حين تحرير الأسواق. وسوف أتناول في مقالاتي القادمة، بإذن الله تعالى، أشكال الاحتكار الذي يمارس في السوق القطري وتأثيرة المباشر وغير المباشر على الوطن والمواطن. بارك الله في جهود المخلصين من رجال الحكومة القطرية، ونخص بذلك معالي رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الذي يعتبر المحرك والداعم الرئيسي للإبداعات، وسعادة وزير الاقتصاد والتجارة الذي يسعى إلى إخراج وزارته من العمل التقليدي إلى العمل الإبداعي. كذلك لا نبخس مجهودات بعض الوزراء الآخرين الذين يبذلون الجهد المشكور لصالح الوطن والمواطن.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع