إلى متى هذا التطاول؟

 

إلى متى هذا التطاول؟

انتشر في "اليوتيوب" مقطع فيديو لمواطنة تحتج على لباس إحدى المقيمات، فما كان من زوج تلك المقيمة إلا أن ألقى على المواطنة سيلاً من الشتائم، واصفاً القطريين بأنهم لا يستطيعون حتى إلباس أنفسهم بدون مساعدة الوافدين. إنه من المعيب أن نسكت على مثل هؤلاء المتطاولين الذين لا يراعون ديانة أهل البلد ولا أعرافهم وتقاليدهم الراسخة، ولكن بعد أن هدأت ثورة الغضب من ذلك الفيديو الشائن، جلست أفكر في الموضوع وأدركت أن الوافد لا يلام على ما تلفظ به، بل اللوم يقع على الدولة والحكومة التي سمحت له ولأمثاله بالتطاول على المواطن وإهانته في موطنه بهذا الشكل. إن الذي أوصلنا لمثل هذا الوضع هو تسخير الجهات الرسمية وشبه الرسمية كل إمكاناتها لتدليع العمالة الوافدة إلى أن وصلت إلى هذا الحد من القبح. ففي يوم 28/4/2015، على سبيل المثال لا الحصر، عقدت تلك الجهات عدة مؤتمرات احتفالاً باليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية يحمل شعار "قطر تشكر مجهودات جميع العمال" تقودها في ذلك وزارة العمل والشئون الاجتماعية (أنظر جريدة الشرق بتاريخ 29/4/2015). وهذه المؤتمرات حضرها بجانب الوزارة كل من المجلس الأعلى للصحة، واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وإدارة الدفاع المدني بوزارة الداخلية، والهلال الأحمر القطري، وشركة سكك الحديد القطرية (الريل)، وشركة قطر للمواد الاولية، والمتحدة للتنمية، والعديد من رؤساء الجاليات، وأكثر من 500 عامل يمثلون حوالي 100 شركة (طبعاً لم يدع إليها أي أحد من العمالة القطرية). وهذه المؤتمرات الاحتفالية، وكما ذكر المؤتمرون، أتت "لأن هذه الفئة تسهم في تنمية المجتمع (كأنه لا توجد مساهمة للقطريين)، ومن هذا المنطلق، ومن دورهم المتعاظم فى بناء دولة قطر الحديثة (نعرف أن الدول تبنى بأيدي مواطنيها إلا، كما تدعي الجهات الرسمية، قطر)، فمن حقها على المجتمع القطري أن يدعمها ويحتفل بها". وفي هذه المؤتمرات، ومن سياق الخطب الرنانة، تم التأكيد على عدة أمور منها: 1. أهمية توعية العمالة الوافدة بحقوقهم. 2. تذكير الوافدين بأن الوزارة على استعداد لتلقي شكاواهم من خلال مكاتبها المنتشرة في جميع مناطق الدولة، ومن خلال "الكول سنتر" (الخط الساخن)، وكذلك من خلال أجهزة شكاوى العمال الإلكترونية والتي تتوافر بسبع لغات (ستتم إضافة لغات أخرى قريباً). 3. تأكيد الوزارة للوافدين أن لديها الإمكانات على اتخاذ الإجراءات اللازمة لغلق مكان العمل كلياً أو جزئياً إذا كانت هناك مخالفات على العمالة الوافدة (قول وفعل) يساندها في ذلك، إذا لزم الأمر، الجهات المختصة (أعتقد أنهم يقصدون الفزعة ولخويا). 4. تشجيع الوافدين على طلب أجر عادل يتناسب مع مستويات المعيشة في المجتمع. 5. قيام الوزارة، وبأموال الشعب، بمراقبة عملية التزام الشركات بدفع أجور الوافدين من خلال البنوك. حتى جريدة الشرق دخلت هذا السباق وتبنت إصدار الكتاب الأبيض الخاص بالعمال (نشرت جريدة الشرق وغيرها الكتاب الأسود عن الموظفين القطريين الذي يؤكد أنهم لا يعملون). كل هذا الحماس لتمييز الوافد على المواطن أتى بسبب الزيارات المستمرة من وفود أجنبية وبالأخص غربية بالإضافة إلى الوفود المستمرة من منظمات حقوقية دولية، ويجب على الحكومة إبهار هذه الوفود بالمستوى الرفيع لسكن العمال وبمستوى المعيشة العالى لهم.
وعلى الجانب الآخر فإنني لا أتذكر أن مثل هذه التوعية بالحقوق قد منحت للموظفين القطريين، بل نجد أن جميع تلك الجهات التي شاركت في الاحتفال بالعامل الوافد، وغيرها الكثير، لا تقيم بالاً بالعامل أو الموظف المواطن، لأنه وكما يزعمون، لا يشارك في "بناء قطر الحديثة"، فنجد أن اهتمام اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وإدارة حقوق الإنسان بوزارة الداخلية، ينصب على خدمة الوافد بهدف تزيين صورة قطر في المحافل العالمية لتظهر بأنها تحمي حقوق الإنسان. والسبب أن تلك الجنسيات لها دول تتابع شؤون مواطنيها بالخارج، ولو تعرض لشوكة من شجرة في البلد المضيف لقامت الدنيا ولم تقعد، في حين أن المواطن لو تعرض، لا سمح الله، لأي ظلم من تلك الدول لن يتحرك له سوى أهله المقربين. فمجلس الشورى ساكت عما يتعرض له المواطن من تقاعد قسري، وهو في سن الشباب، فقط لأن شكله لم يعجب المسؤول، ونهبت حقوقنا كمتقاعدين والسبب أنه لم تصدر اللائحة التنفيذية للقانون التي أصبحت، في عرف الحكومة، أقوى من القانون. وفي نفس الوقت تتأخر ترقيات وعلاوات الموظفين المواطنين لأن المسؤول إما لم تعجبه الأسماء الواردة في القائمة، أو لأنه لم يجد الوقت الكافي للتوقيع عليها. وشخصياً ما ألوم مجلس الشورى الحالي لأن مهامه محددة بصفته استشاريا للحكومة ويقدم توصيات فقط حتى أنه لا يعنيه هل أخذ بالتوصيات أم لا.
وفي الختام نقول إنه من حق العمالة الوافدة، بسبب ما ذكر وما لم يذكر، التطاول على المواطن. وأقول للجهات الرسمية إننا مع المعاملة الإنسانية للجميع ولكن إذا كان معتقدكم بأن مثل هذه الأعمال ستحد من حملات التشويه المركزة على قطر فنبشركم بأن هذه الحملات، ومهما أنجزته الدولة، ستزداد أكثر كلما اقترب موعد كأس العالم 2022. ونبشركم مرة أخرى بأن العالم يتجه حالياً نحو اعتماد مقياس موحد لاحترام الدول لحقوق مواطنيها وحقوق العمالة الوافدة (مجهز تقارير عديدة لذلك اليوم). أما ما جاء بالفيديو فالحل الوحيد هو إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمطبق في السعودية، للحد من مثل تلك التصرفات الوافدة التي لا ترضي رب العالمين ولا عباده.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع