أطفال التوحد في قطر

 

أطفال التوحد في قطر

إن دولة قطر قد منحت الكثير من الحقوق لهؤلاء المنبوذين، ودعمتهم بتوقيعها على المواثيق والمعاهدات الدولية، وأصدرت القوانين المتعلقة بحمايتهم، ويقوم ولي الأمر بزيارتهم في مواقعهم بين فترة وأخرى لاشعار المسئولين بأهمية هذه الفئة بهدف العناية بهم، وحمايتهم من تلاعب قساة القلوب بمصائرهم. ولكن هيهات هيهات فكل ذلك الإعداد والترتيب ذهب مع ادراج الرياح وذلك بوجود مسئولين ليسوا ولو على قدر بسيط من المسئولية. طبعاً قد تتساءلون من هي هذه الفئات المنبوذة في المجتمع القطري. هم ببساطة شديدة من أسند أمر رعايتهم لمن يحب الظهور الإعلامي على حساب العمل التنفيذي الواقعي. ففي كل مناسبة، حتى بدون مناسبة، يتبجح المسئول بأنه نظم مؤتمراً لبحث مشاكلهم، أو استورد أجهزة لعلاجهم، أو خطط لبناء مراكز متخصصة لهم. وإللي يبط الكبد أن يقوم المسئول بالتصريح لأجهزة الإعلام بأنه قام بكل ذلك لصالحهم. ولكن ما يحدث على أرض الواقع غير. فأوراق المؤتمرات ونتائجها لا ينظر فيها بل تخزن في المخازن، أما الأجهزة فقد عراها الصدأ ولم تستخدم بتاتاً، أما خطط بناء المراكز المتخصصة فهي حبيسة الأوراق ولم تر النور حتى الآن.
إننا نتحدث اليوم عن أطفال التوحد والإعاقات الجسدية. ففي الأسبوع الماضي تحدثت مع أحد مسئولي الرياضة في قطر وطلبت منه تنظيم برنامج لتعليم السباحة لأطفال التوحد والإعاقات الجسدية، ذاكراً له أن دولة قطر يحيط بها البحر من ثلاث جهات، فهي بحرية أكثر منها برية، حتى لايشكل البحر، أو أحواض السباحة العامة والخاصة خطراً عليهم، فلابد من إعدادهم الإعداد الجيد لمثل تلك الظروف، علماً بأن بعض الأفراد من هذه الفئة قد انتقلت أرواحها لبارئها العزيز الجبار، وأن بعض هذه الفئات لديها خوف شديد من الماء. ووعدني خيراً وذكر أنه سيتصل معي بهذا الخصوص. وحين سمعت أنه سيتصل معي غسلت يدي منه. فتوجهت إلى أحد الأندية الرياضية فقال لي المسئول صراحة أنه لا يستطيع تحمل تبعة غرق أحدهم في المنشأة التي يديرها (مدربو السباحة في نفس النادي يقومون بإعطاء دروس خصوصية للفئات المنبوذة بواقع 100 ريال للساعة). فقلت لهذا المسئول هل من الممكن أن تشارك هذه الفئة في الأنشطة الرياضية بالنادي؟ فقال لابد من شهادة اللياقة الطبية. وطبعاً غسلت يدي من هذا المسئول لأنه كيف يتم منح هذه الفئة شهادة اللياقة الطبية وهم في الأصل غير لائقين. وبعد ذلك توجهت لأحد النوادي الخاصة، ووافق النادي ولكن بشرط عجيب وهو أن يدفع كل شخص مبلغ 000ر1 ريال عن كل ساعة تدريب، وأن لا تقل الساعات للشخص الواحد عن 32 ساعة في الشهر، وألا يقل عدد المشاركين عن 15 مشاركا. يعني المسألة ليست مسئولية اجتماعية لهذا النادي، بل هي تجارية بحتة، أو ربما هي لا تعدو عن عملية تعجيزية.
لقد مللنا من تجاهل هذه الفئة، والتي أسميتها الفئة المنبوذة، ولقد أصابنا احباط كبير من الجهات الحكومية والخاصة لأنها تتبرأ منها لسبب بسيط أنهم عاجزون ولا يستطيعون المطالبة بحقوقهم. وشخصياً ما ألوم الجمعية القطرية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي جمعية بإمكانيات محدودة، ولا تستطيع مجابهة الحكومة. والحكومة، في نفس الوقت، لا تريد التعامل بصدق معها. فكم من مشروع قدم من الجمعية، وكم من اتفاقية عقدت مع الجمعية، ولكن كلها تأتي من ضمن باب تحسين صورة قطر في الإعلام الغربي لا أكثر ولا أقل. حتى قيام الجمعية بالمساعدة في توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة نجدهم كأنهم "يطرون طرارة" من المسئولين الحكوميين ليتكرموا عليهم بوظيفة مناسبة مع أن هذا الحق كفله القانون لهذه الفئة بالتحديد. وآخر اتفاقية عقدتها الجمعية كانت مع الخطوط الجوية القطرية لتطوير عضوية وخدمات المعاقين في شركة الطيران. وطبعاً الجمعية مؤملة الكثير من هذه الاتفاقية لصالح المنبوذين، ولكني شخصياً أشك في جدية القطرية التي هي حتى الآن لا تمنح أي نوع من الخصم لهذه الفئة من البشر على خطوطها (معظم خطوط الطيران العالمية، وحتى تلك التي في الدول الفقيرة، تمنح خصما خاصا لهذه الفئة).
إن وزارة العمل والشئون الاجتماعية المسئولة رسمياً أمام سمو الأمير المفدى عن هذه الفئات تجلس موقف المتفرج، ولكنها تتحرك فقط كلما سمعت أن أمهات أطفال التوحد يشتكون في الجرائد، أو عندهم النية في إنشاء جمعية ذات نفع عام خاصة بالاطفال، فتجمعهن وتضحك عليهن بكلمتين أو ثلاث، مع وعود زائفة حتى تقتل الحماس عندهن، وبعد ذلك ترجع من جديد كمتفرج على معاناة ولاة أمر التوحديين. إن عدم الاهتمام الحكومي بأطفال التوحد أجبر الأمهات بأن ينشئن رابطة من خلال الواتس أب والبلاك بيري يتبادلن فيما بينهن آخر الأخبار، وينسقن تحركهن مع الجهات المختلفة، التي وللأسف، لم تثمر أي نتائج ملموسة على أرض الواقع، ومع ذلك لم تفقد الأمهات الأمل، ويتعلقن بقشة الأمل. وخوفي أن تتحول هذه القشة إلى تلك القشة التي قصمت ظهر البعير.
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نوجه الدعوة لأخي سعادة السيد صلاح بن غانم العلي، وزير الشباب والرياضة، بالتدخل في الموضوع، فهؤلاء في الأول والآخر هم شباب ويقعون تحت مسئولية سعادته، وهم يريدون، أو بالأصح نريد لهم (لأنهم لا يستطيعون التكلم بلسان حالهم)، أن يمارسوا الرياضة في قطر على أسس صحيحة، وتحت اشراف الدولة. ونرجو الا يقتصر هذا الأمر على المواطنين فقط.
والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع