من يحرك من؟

 

من يحرك من؟

قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ من قَوْم عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا منْهُمْ وَلَا نِسَاء من نسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا منْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ.." الحجرات: 11. ولقد توقفت طويلاً عند "وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ". واللمز هو الطَّعن في أعراض أو عيوب النّاس أو الانتقاص منهم حتى ولو بالإشارة. واللمز يكون في العادة إلى الآخرين وليس للمتحدث نفسه. ومحاولة لتدبر معنى هذه الآية فإني أرجعتها إلى حالتين: الحالة الأولى: ربما، والله أعلم، تعود لنفس معنى قوله تعالى "وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ.." الأنعام: 108. وهي تعني في لغة العلم: أن لكل فعل ردة فعل، مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه. مما يعني أنه إذا تكلمت عن أحدهم بكلام قبيح فتوقع أن يرد عليك بكلام يساويه في القبح أو أكثر. أما الحالة الثانية: إن هذه الصياغة أتت لتذكير المؤمنين بأنهم نفس واحدة، فمن لمز غيره من المؤمنين، فكأنما يلمز نفسه. وهذا توجيه من رب العالمين لشكل العلاقة التي يجب أن تسود بين المسلمين فهي تجعل الحفاظ على حقوق الآخرين حفاظاً على حقوق النفس.
إن الوضع المأساوي الذي نمر به في الخليج يحتم علينا التوقف أمامه. فعلى الرغم من التأكيدات المتكررة من أعلى القيادات السياسية بأن الخلاف بين كل من قطر من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، قد انتهى، وأن الجميع تقبل الحلول السياسية وفقا لمبدأ "خليجنا واحد". ولكننا نفاجأ بين فترة واخرى بمقالات في صحف مأجورة، أو ببرامج في بعض المحطات الفضائية، وبالأخص المصرية منها، تهاجم الموقف القطري الراسخ والثابت، ويتم تناقل ما تورده تلك الوسائل الإعلامية من خلال الفيس بوك وتويتر، وتكبر معها تلك الكذبة ككرة الثلج حتى يصدقها الإنسان الساذج ليتحول، بدون وعي ولا إدراك منه، إلى بوق من الأبواق المنددة بمواقف قطر الشريفة، بل ويحملها تفتيت الخليج والعالم العربي. وطبعاً هذا الموقف السلبي يواجهه موقف معاكس من القطريين. لا أحد ينكر أن قناة الجزيرة فضحت الكثير من الأنظمة العربية، ولعدم قدرة هذه الأنظمة في حجب المستور عن الشعوب، وعدم مجاراة الرأي بالرأي الآخر، فقد قامت تلك الأنظمة، بما تملكه من أرضية فاسدة، بالهجوم على قطر كمحاولة لإغلاق القناة، ولكن كل محاولاتهم فشلت فشلاً ذريعاً.
إنه لمن المحزن أن يتردى الوضع بين دول الخليج، وبالأخص بين أهل قطر وأهل الإمارات، إلى هذا المستوى الذي لا يرضي رب العالمين. إن للسب واللعن والفحش في القول أضرار كثيرة لا تعد ولا تحصى. ففيها إيذاء للمسبوب وقطع للعلاقات، وزرع لبذور الفتنة، ولا ننسى أنها تجلب العداوة والبغضاء فتتفكك بها عرى المحبة التي تلم شعوب المنطقة، ويحل الفساد محل الصلاح، والخصام محل الوئام. ونتيجة لهذه الآثار السيئة جاء توجيه رب العزة لتجنب النطق بالألفاظ البذيئة وذلك في قوله تعالى "لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ.." النساء: 148. وفي آية أخرى من كتاب رب العالمين نجد النص يؤكد على أن إيذاء المؤمنين بالقول السيئ هو إثم عظيم، فقال تعالى "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً" الأحزاب: 58. إن الإسلام قد جعل الالتزام بالدين في قسمٍ كبيرٍ منه متوقف على الأدب وحسن المعاملة. إذ لا نجاح ولا توفيق في التعامل مع الآخرين دون هذا الأصل ولا يأتي الأدب وحسن المعاملة إلا بحسن الخلق ومن هنا فقد مدح الله تعالى رسوله بهذه الصفة، فقال عنه "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" القلم: 4 إن الشعب الخليجي شعب متجانس وتربطه أخوة الدم والنسب، ولذلك ليس بغريب إظهار فزعتهم السريعة عندما تعرضت الكويت للغزو الصدامي، فوجدناهم جميعاً وقفوا وقفة أخوية صادقة لإرجاع الكويت. ولكن في الفترة الأخيرة دخل في بعض دول الخليج مجموعة من الأفراد أقل ما يقال عنهم أنهم خونة في أنفسهم وأهليهم. ولقد استطاعوا بما يملكونه من خبث ودهاء وأموال ذات مصادر متنوعة في اقناع أفراد معدودين من مواطني بعض الدول، ممن غابت عنهم صفة الوطنية والانتماء، للسير في ركبهم، تنحصر مهتهم في إبقاء النار مشتعلة بين قطر والإمارات، وذلك مقابل دريهمات معدودة. شخصياً ألوم القيادات التي تسمح لهؤلاء، المعروفين لهم بالاسم والعنوان، بالتطاول على أهل ورموز قطر. ونحن في قطر نتمسك بقوله تعالى "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" الحجر: 88. ولهذا لن نبادر بإساءتهم ولكننا سنرد على كل من يتطاول علينا ولن نسكت لأن الهدف المهم عندنا هو حماية أمن الخليج الذي بناه أجدادنا وآباؤنا وحماية مستقبله من فساد المفسدين. وفي نفس الوقت ستبقى أيدينا مفتوحة لمن أراد نبذ الخلاف والعيش بسلام.
وفي الختام أريد أن أحيي قائدنا وأميرنا المفدى على موقفه الشجاع في نصرة الشعوب المظلومة وعدم تزحزحه عن موقفه بالرغم من الضغوط الكبيرة التي مورست عليه بشكل خاص وعلى قطر بشكل عام. والشكر يمتد إلى غالبية الشعب الكويتي وقيادتهم الرشيدة التي لم يتأثر فكرهم وتوجهاتهم بكل ما يصدر من المتآمرين، بل نجد أن أميرهم، حفظه الله، بذل الجهد الكبير لتقريب وجهات النظر للحيلولة عن تشرذم منظمومة مجلس التعاون. حمى الله أوطاننا وشعوبنا وقادتنا وكفانا الله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله من وراء القصد

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع