وماذا بعد يا سادة يا كرام؟

 

وماذا بعد يا سادة يا كرام؟

تقابلت مع أحدهم فقال لي إنه من المتابعين لمقالاتي بشكل مستمر. وتناقشنا في مقالة الأسبوع الماضي وهي "المواطن والغربة" التي تأسفت فيها أن يشعر المواطن بالغربة وهو في أحضان وطنه وبين أهله وناسه، وأنه يجب عليه البحث عن الوافد ليتوسط له في إنهاء أعماله، وأن هذا يعتبر انتهاكاً خطيراً للدستور القطري لأنها تزرع الكراهية في قلوب المواطنين لكل شيء ينتمي للوطن. وبعد النقاش، وتأييده لكل ما ذكرته في هذا المقال والمقالات التي سبقت، صدمني عندما قال لي: يا أخي .. لماذا دائماً تظهر السلبيات .. يجب عليك أن تركز على الإيجابيات في المجتمع القطري فالحكومة ما قصرت ولن تقصر في توفير كل ما يحتاج إليه القطري والمقيم. فقلت له: ومن قال إن الحكومة الحالية والحكومات السابقة قامت بالتقصير. إنني أرى أن رصد السلبيات، ومتابعة مشكلات المواطنين، أهم من الإشادة بالايجابيات. ويجب علينا التصدي الجاد لسوء الادارة، وإهدار المال العام، والوساطة، والمحسوبية، وعدم الاهتمام بالمواطنين أو بمصلحة الوطن والشعب. ويجب ألا يغيب عن فكرنا، يا أخي العزيز، أن هناك من يعمل ليلاً ونهاراً لابقاء قطر دولة بلا وطن، والمواطن القطري بدولة ولكنه بلا وطنية. إننا لا نشك أن كل حامل للجنسية القطرية مواطن، لكن هل هذا المواطن ينتمي إلى قطر الوطن أم قطر الدولة؟
إن الدولة تحاول بكل الطرق إعادة شعور المواطن بوطنيته. ولكن، وللأسف، كل تلك المحاولات، وبأيد خفية، أجهضت قبل أن تؤتي ثمارها. فالدولة قامت، في مرحلة من المراحل، بإنشاء لجنة وطنية لحقوق الإنسان. واستبشرنا خيراً، ولكن عندما صدر القانون رقم (38) لسنة 2002 بإنشاء اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان تبخرت الآمال لأن: 1. من مهامها "رصد ما قد تثيره المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية من ملاحظات في مجال حقوق الإنسان في الدولة والتنسيق مع الجهات المعنية للرد عليها". 2. أنها لم تكن جزءاً من المجتمع المدني، بل هي جزء من مكونات الدولة وكل همها تزيين صورة قطر فيما يتعلق بحقوق الإنسان عالمياً. وهنا يأتي التساؤل: إلى من سيشتكي المواطن إذا كان المشتكى عليه جزءا من الحكومة؟ وتحققت مخاوفي من هذه المنظمة عندما وجدناها تعمل ضد مصلحة المواطنين، ولم تكتف بذلك بل إنها تقف مع الوافد ضد المواطن. ومرة أخرى استبشرت خيراً عندما أنشأت دولة قطر هيئة الرقابة الإدارية والشفافية التي تهدف إلى تحقيق الرقابة والشفافية ونزاهة الوظيفة العامة، ومكافحة الفساد بكافة صوره وأشكاله. وفرحت أكثر عندما عرفت أنها ستقوم ببحث ودراسة ما تنشره الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام، من شكاوى أو تحقيقات تتناول نواحي الإهمال، أو القصور، أو سوء الإدارة، أو الاستغلال. ولكن هذه الهيئة لم تعمل لأن لائحتها التنفيذية لم تصدر حتى الآن، مما عطل أعمالها بالكامل. واليوم تطالعنا الصحف بحملة إعلانية غريبة من النيابة العامة تحث السكان على التبليغ عن أية معلومات في حوزتهم تتعلق بالفساد والكسب غير المشروع والرشوة. والهدف من الحملة كما قيل هو "تشجيع سكان قطر على تقديم أية معلومات بحوزتهم عن الفساد المالي في المؤسسات الحكومية، بما في ذلك الرشوة واختلاس الأموال العامة"، وأن "الشكوى ستعامل بسرية ويمكن أن تكون ضد أي موظف في القطاع الحكومي، أو مسئول رفيع المستوى". ومع أن هناك الكثير أشاد بهذه المبادرة إلا أنني شخصياً أتحفظ على هذا التوجه لأن التبليغ إما بالهاتف الجوال أو بالأيميل وكلاهما يؤدي إلى معرفة من سيقدم التبليغ وهنا تحدث الطامة وبالأخص إذا كان المشتكى عليه من أصحاب البشوت ومن شلة "يا فلان روح وأخرب بيت المشتكي عليّ". كل ما ذكر من توجهات حكومية حميدة لأنها لو تحققت فإنها ستعيد للمواطن مكانته وسيشعر بوطنيته التي سلبت.
إن كتابتنا النقدية لما يعاني منه المجتمع تصب في رصد السلبيات حتى يمكن القضاء على آلام المواطنين، وتحقيق مطالبهم المختلفة، مما يعمق روح المواطنة. وعندما نكتب فإننا لا نقصد التشهير بالدولة، أو بالحكومة، أو بالمسئولين، ولكن نهدف لإيصال مشاعر وردود فعل المجتمع تجاه قرارات وعمل المسئول، حيث طبيعة المسئولية تسبب، في أحيان كثيرة، بحجب ردود الفعل الاجتماعية عن المسئول (بأسلوب .. كله تمام يا أفندم). إن المواطن الآن هو الذي يطالب بحقوقه، وذلك لأن الوافد أخذ حقوقه بالكامل، بل ونجد كل الجهات الحكومية والخاصة تتفنن في وضع الحق على المواطن إذا كان الطرف الآخر غير مواطن والسبب بسيط جداً لأن الوافد هو الذي يصيغ القوانين والمراسيم والقرارات وهو الذي يفسر المواد الواردة بها بشكل تضمن حقوقه. وفي نفس الوقت قام بعمل بعض المواد التي تجعل المواطن مشغول طيلة الوقت في البحث عن حقوقه التي أهدرت.
وفي الختام نقول إن فقدان المواطن احساسه بوطنيته جلبت الكثير من السلوك غير السوي، من أهمها، عدم التمسك بالدين، وانهيار الاخلاق والقيم، والغش والجشع، وعدم الامانة. ولا ننسى المشكلات الخاصة بالأسرة مثل الطلاق والتفكك الاسري. لقد أصبح المواطن، هذه الأيام، يخاف على نفسه وعلى مستقبل أبنائه من أعداد الوافدين الهائلة لسبب بسيط أن قطر ليس لها رؤية وتخطيط في هذا الشأن. فحتى ننعم جميعا بقطر افضل فإنه علينا أن نركز اولا على السلبيات للقضاء عليها بهدف تحقيق طموح وآمال المواطنين.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع