الأرض والقرض للمتجنسين

 

الأرض والقرض للمتجنسين

وصلتني رسالة بالإيميل تقول صاحبتها "أنا مواطنة قطرية، ولدت وترعرعت في عزها، وخيرها، وأمنها، وكلي فخر بذلك.. ولكن، للأسف، قطرية ناقصة الحقوق، والسبب في ذلك أنني تزوجت من قطري بالتجنس، ولم أكن أعرف أن هناك درجات ومسميات وفئات لمن يحملون الجنسية القطرية. وزوجي نعم الزوج بأخلاقه وإنسانيته، وقد عوضني عن حنان الأب الذي فقدته، وجعلني أعيش في سعادة بالغة". ومن خلال الرسالة بينت صاحبتها سبب الكتابة وهو "قانون الإسكان". وذكرت "إن زوجي، بسبب تجنسه، منح قرض الإسكان ولكنه حرم من الأرض التي من المفروض يبني عليها السكن، وفي هذا فإن زوجي ليس له ذنب بل الذنب يقع على من وضع هذا القانون الذي يفرق بين أهل قطر، ولم يفكر بنتائجه التي ستحدث، وبالفئة التي ستظلم". وقبل أن تختم صاحبة الرسالة شكواها وجهت بضعة أسئلة لا أملك الإجابة عليها وهي: "لماذا القطرية المتزوجة من أجنبي يحق لها أرض وقرض؟.. طيب إذن أنا قطرية فلماذا لا يعتبرون زوجي الذي هو قطري الجنسية أجنبيا حتى نحصل على الأرض؟.. لماذا القطري إذا تزوج من أجنبية يأخذ حقوقه بالكامل في حين أن القطرية لا تحصل على ذلك؟.. لماذا القطري الذكر يبني بيته على أرض هبة من الدولة وبتقسيط مريح في حين أن القطري بالتجنس يكد ويشقى هو وزوجته القطرية ومع ذلك لا يجدون بيتاً أو أرضاً ليستقروا عليها؟ لماذا تقوم بلادنا ببناء مساكن وترسل مساعدات بمبالغ وأرقام خيالية لدول عربية وأجنبية ويبخلون علينا بمسكن داخل بلادنا؟" ومع تلك المأساة التي تعيشها صاحبة الرسالة فإنها لم تفقد أملها بالله وختمت رسالتها بقولها "بما انني مؤمنة بقضاء ربي ومتفائلة برحمته، فسوف أوكل أمري اليه سبحانه وتعالى". وفي نفس الوقت لم تفقد هذه المواطنة القطرية ثقتها بالقيادة بقولها "وأنا كلي ثقة أن شيخ الشباب وشيخ الإنسانية سمو الأمير المفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني سيضع حلاً أكيداً لمشاكلنا"
وبدوري قمت بالإطلاع على القانون رقم (2) لسنة 2007 بنظام الإسكان ووجدت أن المادة (2) بها هدف سامي وهو قيام الدولة بالإسهام في توفير السكن الملائم للمواطنين. ولم تحدد هذه الكلمة "قطري أصيل" أو "قطري بالتجنس" بل هي شملت المواطنين ككل. وبهذا لم يقتصر الأمر على القطريين فقط الذين عرفهم القانون رقم (38) لسنة 2005 بشأن الجنسية القطرية بأنهم: 1. المتوطنون في قطر قبل عام 1930. 2. من ثبت أنه من أصول قطرية. 3. من ردت إليهم الجنسية القطرية. 4. من ولد في قطر أو في الخارج لأب قطري. فمصطلح المواطن هو كل من يحمل الجنسية القطرية. وقام المشرّع، لتحقيق توفير السكن الملائم للمواطنين، بتقسيم الأمر إلى: 1. منح المواطن الأرض (بالشراء أو بالمنح). 2. منح المواطن قرض إسكان (في الأصل 600 ألف ريال أضاف لها مجلس الوزراء 600 ألف ريال أخرى). 3. توفير وحدات سكنية عن طريق الشراء أو التأجير. وفي المادة (6) من قانون الإسكان ورد أمر غريب حيث نصت المادة على قيام مجلس الوزراء بإصدار قرار "بأولويات وضوابط الانتفاع بهذا النظام وبتحديد شروط وضوابط انتفاع المتجنسين به". واستناداً لهذه المادة صدر قرار مجلس الوزراء رقم (3) لسنة 2008. وحددت المادة (1) منه أن "يكون منح القطري المتجنس ذكراً أو أنثي الذي مضى على اكتسابه الجنسية القطرية خمس عشرة سنة على الأقل مبلغ قرض الاسكان المحدد في المادة (2) بند (2) من القانون رقم (2) لسنة 2007 المشار إليه أو وحدة سكنية مناسبة". وهذه إشارة واضحة أنه لا يحق للقطري المتجنس سوى قرض الإسكان البالغ 2ر1 مليون ريال. أما قبل 2008 فقد كان القطري المتجنس يمنح الأرض والقرض بصفته مواطنا مكتمل الأركان.
إن المواطن في سياق مواد الدستور القطري هو من يحمل الجنسية القطرية، والدليل على ذلك أنه لم يذكر القطريين إلا في موقعين فقط (الوزارة والشورى) أما بقية المواد فذكر المواطنين بحكم المطلق. أما تفريقهم حسب ما ورد بقانون الإسكان فهو مخالفة صريحة للدستور القطري، وبخاصة المواد (18) و(19) و(20) و(34) وكل قانون يخالف الدستور يعتبر باطلاً. النقطة الثانية أنه لا خلاف دستورياً في أن من يتولى الوزارة يجب أن تكون جنسيته الأصلية قطرية (انظر مادة 117) وأيضاً نفس الشرط لأعضاء مجلس الشورى (انظر مادة 80)، ولكن هذا يجب ألا يشمل بقية حقوق المواطنة. النقطة الثالثة انه لا خوف من القطري المتجنس من حصوله على قطعة أرض، فلو أراد استرجاع جنسيته الأصلية ورغب بالمغادرة فلا أعتقد أنه يستطيع حملها معه. والنقطة الأخيرة، التي يجب ألا تغيب عن البال، أنه من غير الممكن لموظف عادي أن يشتري أرضاً تبلغ قيمتها أضعاف قيمة القرض (قيمة الأرض الآن لا تقل عن 5ر3 مليون ريال قطري).
وفي الختام نقول انه لا يجوز أن تنتقص حقوق أي مواطن في قطر ويجب علينا ألا نسمح لمن يصيغ القوانين، من مستشارين وغيرهم، بأن يقوموا بتعكير صفو المجتمع القطري بإضافة مواد قانونية تفرق بين المواطنين في مجتمع ذي نسيج واحد متجانس. والسؤال البريء هو: لماذا تم إعطاء القطري المتجنس الجنسية القطرية إذا كانت الحكومة لا تريد الاعتراف بحقوقه كما وردت بالدستور والقوانين المنظمة؟
والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع