بيض الله وجه معاليه

 

بيض الله وجه معاليه

عالجت في مقالات سابقة عن أثر الحكومة في الاقتصاد القطري، وذكرت أن توجه الحكومة في إنشاء الشركات قد أدى إلى إعاقة تقدم الدولة نحو تنفيذ الاستراتيجيات والخطط التي تم تحديدها من قبل قيادة البلاد. وذكرت أن استمرار القطاع الحكومي، بشكل مباشر أو غير مباشر، في إنشاء وإدارة القطاعات الخدمية حجب، وسيحجب، الاستثمار فيها من قبل القطاع الخاص، وأدى إلى تقليل دوره، وتشتيت جهوده في أنشطة قليلة الجدوى. فالقطاع الخاص يواجه مشقة حقيقية عند مواجهة سيطرة القطاع العام وتغلغله في النشاط الاقتصادي. وطالبت بإعادة صياغة الخطة الاستراتيجية بقصد تفعيل مشاركة القطاع الخاص، وتعزيز قدرته التنافسية، وذلك لضمان استمرارية النمو الاقتصادي، وبالأخص أن المرحلة القادمة تحمل معها تحديات كبيرة تتطلب من الجميع بذل الجهود المخلصة، وبخاصة في ظل التحديات التي تفرضها الأزمات المالية العالمية السابقة أو المستقبلية.
إن الانفتاح الاقتصادي والمالي الذي تسعى له دولة قطر، كما ورد في خطابات سمو الأمير ومن قبله سمو الأمير الوالد حفظهما الله، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بفتح المنافسة ومنع الاحتكار، مع قيام الدولة بتوفير كافة الضوابط الخاصة بعمليات المنافسة وإعطاء شركات القطاع الخاص حرية كاملة في تأسيس شركات ذات طابع تنافسي. إن الدولة، كما أعتقد، خلقت للسلطة والحكم والقيادة، ولم تخلق لتمارس الأنشطة الاقتصادية مع الممارسين لها من الأفراد. والعديد من الفقهاء يرون بأن دور الدولة هو الحكم، والسلطة، والإشراف، والتنظيم، وتهيئة المناخ، والرقابة، والمتابعة والدعم، والتقويم. ودور القطاع الخاص هو الممارسة والتنفيذ للأنشطة الاقتصادية في ظل هذه الرعاية وذلك التقويم من قبل الدولة. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا اتجر الراعي هلكت الرعية". والراعي في هذا السياق يشمل الحكومة، وكل من ينيبه الحاكم من موظفين عامين بأي درجة وظيفية. إن الاقتصاد الإسلامي يؤمن بأهمية وجود القطاع العام والقطاع الخاص، وأن الدولة القوية الفعالة هي مطلب أساسي لوجود قطاع خاص قوي وفعال. إن خروج الحكومة من الاقتصاد المحلي وتركه للقطاع الخاص مهم فهو: 1. يرفع من الكفاءة الاقتصادية للاقتصاد المحلي. 2. يقلل من النفقات العامة ويزيد من الإيرادات العامة. 3. يوسع قاعدة الملكية ويجذب رؤوس الأموال الأجنبية ويعيد رؤوس الأموال الوطنية. 4. يزيد من المدخرات لدى الأفراد من خلال امتلاك حصص أو أسهم في الشركات المساهمة. 5. تجنيب الدولة الخسائر المتزايدة بسبب ارتفاع التكاليف وتدني الإيرادات. 6. سوف يسهم في تشغيل مزيد من العمالة المواطنة وتجنيب الدولة مضار البطالة المقنعة. 7. يتصف القطاع الخاص بسرعة الاستجابة للظروف المتغيرة بعكس القطاع العام. ولكن يجب أن لا تفهم مطالباتي بأنها دعوة لتهميش كامل لدور الدولة أو الحكومة في الاقتصاد المحلي. بل نطالب الدولة في إقامة المشروعات الصناعية الثقيلة لأنها مسؤولة عن استغلال واستثمار موارد الدولة الطبيعية، وبالأخص تلك المشروعات التي: 1. لا تستطيع ادخارات القطاع الخاص القيام بتمويلها. أو 2. لأن عنصر المخاطرة يلعب دوراً أساسياً فيها. إن إنفاق الدولة على تلك المشروعات، وعلى إنشاء البنية الأساسية للدولة العصرية، بالإضافة إلى توفير الخدمات المجتمعية، سيوفر سيولة نقدية ورأس مال مناسب لكافة أشكال التنمية الاقتصادية بشكل عام، والتنمية بالقطاع الخاص بشكل أساسي. وعليه فإن فتح المجال أمام القطاع الخاص لا يعني بأي شكل من الأشكال تخلي الدولة عن دورها في الإشراف، والتخطيط، والتنظيم، والتوجيه لهذا القطاع بحيث تضمن إيجاد البيئة المناسبة للاستثمار، والمنافسة الشريفة، وحفظ حقوق المنتجين والمستهلكين. ولذلك فإنه من المهم إعادة توزيع الأدوار بحيث يقوم كل من الدولة والقطاع الخاص بدوره الحقيقى في المجال الاقتصادى.
إن مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد لن يتحقق إلا بتوفير البيئة القانونية والتشريعية الملائمة، ولن يصبح هذا ممكناً إلا بتوجيه صريح من سمو أمير البلاد المفدى، أو من معالي رئيس مجلس الوزراء. والحمد لله، فلقد توفرت لديهما القناعة وقاما بتوجيه الجهاز الحكومي بتبني هذه السياسة التي أرى بأنها دفعة قوية للشراكة الحقيقية بين القطاع العام والقطاع الخاص. وبسبب هذا التوجه الحميد وجدنا أن معالي رئيس مجلس الوزراء تبنى عدداً من المبادرات، من بينها توسيع المناطق الصناعية وإصدار توجيه واضح وصريح لمؤسسات الدولة (وزارات ومؤسسات وشركات) بعدم تأسيس شركات، أو الدخول في أنشطة دون إذن معاليه. وقام بتشكيل لجنة تمثل مصرف قطر المركزي والوزارات والبنوك المختصة وغرفة التجارة لدراسة إشكالية الشركات المتعثرة في قطاع المقاولات. وقام بالتوجيه لإعداد قانون لحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية حتى من قبل الشركات الحكومية مما سيؤدي إلى ارتفاع مستوى الإنتاج، وزيادة الإبداع والابتكار. وأحدث إجراء عمله معاليه هو إطلاق مشروع مناطق التخزين الذي سيوفر مرافق تخزين بسعر تنافسي لفائدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، كما سيسهم أيضا في الحد من الزيادة الكبيرة في "تكلفة السلع" بسبب توافر التخزين بأسعار معقولة، وبه سيدعم القدرة التنافسية للشركات.
وفي الختام نقول إن خطوات معاليه للإشراف على القطاع الخاص، ومداومة النظر في شؤونه، من ناحية الإعانة والتقويم، مهمة جداً لينهض بدوره على الوجه الأمثل. وبهذا التوجه فقد أطلق معاليه نموذجاً جديداً في العلاقة بين القطاع العام والقطاع الخاص تقوم على شراكة حقيقية مع تمييز صريح وحاسم بين دور الدولة ودور القطاع الخاص. إن الاقتصاد القطري في حاجة ماسة لمثل هذه الشراكة التي تفتح المجال لتحركة إلى الأمام وتحقيق دوره المأمول.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع