اليوم الوطني في عيوني

 

اليوم الوطني في عيوني

في مثل هذا اليوم من كل عام نسترجع بكل فخر واعتزاز فصول تكوين دولة قطر الحديثة والمعاصرة. وهي مناسبة عزيزة علينا كلنا، نشعر خلالها بالبهجة والسرور، لأنها تذكرنا بتلاحم القبائل والعوائل القطرية، بفضل من الله وتوفيقه، تحت لواء واحد فقط. وكنت أتمنى ألا يقتصر الاحتفاء بهذا اليوم الوطني من خلال وسائل الإعلام من بث مباشر، أو أناشيد وطنية، أو من خلال مقالات تكتب في الجرائد المحلية، أو أعلام ترفع على الأيدي أو تغطى بها العمارات والأبراج، أو مسيرات راقصة على الكورنيش، بل كنت أتمنى أن يتعامل جميع أفراد المجتمع مع هذه الذكرى الجليلة بمزيد من الجد والجهد والعمل الدؤوب لمواصلة المزيد من الإنجازات بهدف ترسيخ معنى اليوم الوطني والانتماء لهذه الدولة العزيزة. إن اليوم الوطني، يا سادة يا كرام، هو ذكرى تأسيس قطر ضمن حدودها الجغرافية المعترف بها عالمياً، ولكن ما يجمع المواطنين القطريين ليست تلك الحدود بل ما يجمعهم هو الدين الإسلامي، الذي هو القاسم المشترك بين جميع المواطنين، بالإضافة إلى روح المودة والصفاء التي تسود بين الحضر والبدو، ولا ننسى التعاون الدائم على البر والتقوى بين أفراد المجتمع.
ولقد تجولت في منطقة الخليج، من خلال اليوتيوب، لمعرفة كيف تحتفل هذه الدول بيومها الوطني، أو كما يسمى عند البعض بالعيد الوطني، (الكويت 25 /2، السعودية 23 /9، عمان 18 /11، الإمارات 2 /12، البحرين 16 /12 وختامها بالمسك والعنبر قطر 18 /12) فوجدت العجب من مواطني تلك الدول، ومن ضمنهم دولة قطر، في كيفية التعبير عن فرحتهم باليوم الوطني. إن الإنتماء، يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ليس بترديد الشعارات، وليس بالخروج في مسيرات بالسيارات أو الرقص بخلاعة على الكورنيش. إن الإنتماء أكبر في معناه، وأعمق وأسمى في دلالاته من كل مظاهر سطحية نقوم بها. فالإنتماء شيء مغروس غرساً في النفوس يتطلب منا أولاً حمد الله وشكره على نعمة الأمن والأمان والخير الوفير وغيرها الكثير مما فضلنا بها رب العالمين على كثير من عباده. وثانياً بإظهار شكر النعمة على أصولها. للأسف كلنا، وأنا واحد من الكل، ليس لدينا انتماء لهذا الوطن المعطاء. لأننا، وببساطة شديدة، لا نظهر شكر النعمة على أصولها. فنحن كأفراد لا نحترم ما يقدمه الوطن من خدمات متنوعة، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، 1. نقوم برمي المخلفات، بكل جرأة، في الأماكن العامة وفي أماكن الترفيه مع أن الدولة وفرت أماكن لرميها، حتى وضعت الصناديق الخاصة بالمخلفات في المناطق البرية المنعزلة. 2. نهدر الكثير من الطاقة الكهربائية في المنازل والمكاتب على أجهزة نجعلها تعمل ونحن لا نحتاجها ولسنا بقربها. 3. ننسى الحديث الشريف الذي ذكره رسولنا النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر على سعد وهو يتوضأ فقال "ما هذا السرف ياسعد؟ فقال: أفي الوضوء سرف؟ قال: نعم وإن كنت على نهر جار" ومع ذلك نقوم بهدر المياه التي صرفت عليها الدولة مليارات لتوصلها لنا إلى منازلنا. 4. نقوم بشراء ما نحتاجه وما لا نحتاجه بشكل مفرط مما يزيد من حجم المستوردات وبالتالي يؤثر على ميزان المدفوعات وبالتالي يصبح أثره على الاقتصاد مدمرا. هذه أربعة نماذج فقط وهناك العشرات من أمثالها من الأعمال التي نقوم بها التي تجعلنا من الذين ليس لديهم إنتماء حقيقي لهذه الأرض الطيبة. وحتى يكون لدينا ولاء لبلدنا فعلينا احترام البلد وأنظمته، والحفاظ على مكتسباته ومرافقه، وأن نخلص في العمل وأن نبذل الجهود لنضمن جودة المخرجات في مختلف المجالات والميادين العلمية والعملية.
إن هناك الكثير من الممارسات في اليوم الوطني، أو ملازمة له، لابد أن يقضى عليها منها النزول إلى الشوارع وركوب السيارات والتدلي منها ورفع الأعلام وتعطيل وإغلاق الشوارع والطرقات، والتسبب في الحوادث. ومنها الإسراف غير المبرر للكثير من الجهات والشركات الحكومية لتصل في بعض الأحيان تغطية برج كامل بالملصقات والأعلام، وتكرار إقامة الحفلات الخاصة والعامة، بل ونجد أن كل جهة تتباهى بما صرفته من الأموال العامة، التي هي من أموال الشعب. في الحقيقة إنه سيكون من الأمور الجيدة إذا كان ذلك الصرف على هذه المظاهر من الأموال الخاصة للمسئول. أما الأمور الجيدة التي نريد من أمثالها الكثير هو ما قام به معالي رئيس مجلس الوزراء من إطلاق مشروع مناطق التخزين لتمكين القطاع الخاص من المشاركة بنسبة أكبر في الاقتصاد الوطني وفتح صالات الأفراح التي ستتاح للمواطنين بشكل مجاني وغيرها الكثير مما يرفع من مقام البلاد ويزيد من درجة الولاء.
أتمنى ألا يختزل حب الوطن في مظاهر السرور والفرح وإن كانت مطلوبة. وإنه من المهم غرس قيم العمل والبناء في نفوس الناشئة لأن الأوطان في الأول والأخير تبنى بسواعد أبنائها. ونقول كما قال جون كينيدي أحد رؤساء أمريكا السابقين "لا تسأل ماذا قدم الوطن للمواطن بل اسأل ماذا قدم المواطن لوطنه". وانتهز هذه الفرصة لأرفع اسمى آيات التهاني والتبريكات لمقام سمو الأمير المفدى، وسمو الأمير الوالد، والى كافة الشعب القطري الغالي بمناسبة ذكرى اليوم الوطني.
وفي الختام رأيت ما لا يعجبني في احتفالات هذه السنة ولن أقول إلا كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "أنزلوا الناس منازلهم". ونوصيكم بأهل الشمال خيراً فهم منكم وأنتم منهم.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع