القطريون وتشويه السمعة

 

القطريون وتشويه السمعة

للأسف أنني كنت في كثير من مقالاتي أدعو إلى الاستفادة من الإمكانيات الإحصائية لدى وزارة التخطيط التنموي والإحصاء في التخطيط للمستقبل، وكنت أعتقد أن تلك الجهة تستطيع أن تعطي مؤشرات ممتازة لما تقوم به من دراسات مسحية للواقع التنموي الذي تشهده الدولة، ولكني أصبت بالإحباط الشديد، وما أكثر الإحباطات التي نواجهها من القطاع الحكومي، عندما قامت الوزارة بالطلب من الجمهور باقتراح الحلول المناسبة لحل مشكلة الزحام المروري في منطقة الأبراج (كأن قطر هي منطقة الأبراج وكأن الجمهور هم من الخبراء المتمرسين)، أما الطامة الكبرى فهي عندما قامت الوزارة بنشر نتائج أول مسح لاستخدام الوقت، بدون الشرح المناسب، (انظر الراية بتاريخ 25/11/2014)، الذي أخذ منها سنة في الإعداد وجندت له جهابذة الخبراء الأجانب المدفوع لهم من المال العام، عندها فقط عرفت أنه يجب غسل أيدينا من أي أمل يرتجى من تلك الوزارة، لقد كشفت نتائج مسح "استخدام الوقت" عن أن متوسط الوقت الذي يقضيه الرجال القطريون في أنشطة الأعمال للحصول على دخل هو 3 ساعات و 49 دقيقة، مقابل ساعتين للنساء، في حين أنها أظهرت غير القطريين بأنهم يقضون متوسط 6 ساعات و42 دقيقة في أنشطة الأعمال للحصول على دخل، إن ذلك يعني أن القطريين هم من الكسالى، والذين يجب ألا يركن عليهم في تنفيذ خطط الدولة الطموحة، وأظهرت، في نفس الوقت، أن غير القطريين يعملون بجد واجتهاد، ولهذا فإن على الحكومة الاعتماد على الوافدين بشكل كامل، ونبذ كل القطريين، وهنا يأتي السؤال البريء: أليس الوزراء والقيادات في قطر من القطريين وتشملهم نتائج هذا المسح؟
شخصياً أعرف كيف توصل القائمون على الدراسة لتلك النتائج ولكني أعيب عليهم طريقة عرضهم لتلك النتائج، وفي هذا نقول: 1- ذكرت الدراسة أن أعمار العينة تبلغ 15 سنة فأكثر وحسب القانون القطري فإن كل من تقل أعمارهم عن 18 سنة يعتبر قاصرا ولا يسمح لهم بالعمل، مع العلم أن غالبية القطريين هم من صغار السن،2- إن عدداً كبيراً من القطريين متقاعدون ولا يمارسون أي أعمال، 3- وجود عدد من القطريين لا يزالون يبحثون عن عمل يعني عاطلين عن العمل، 4-عدد كبير من النساء ربات بيوت وهن لا يعملن ولا يرغبن بالعمل، 5- وجود أكثر من 22 ألفا من كبار السن القطريين وهم لا يعملون، ولهذا فعندما يقوم أي فرد بتقسيم أنشطة الأعمال للحصول على دخل على مجموع الرجال والنساء من القطريين من الذين "يعملون" والذين "لا يعملون" سيصطدم بالوقت المتدني لكل فرد من المجموع العام لأداء الأعمال للحصول على دخل، إن نشر نتائج هذه الدراسة بهذه الصفة وبدون "الشرح المناسب" لها يعمل على تقديم صورة سيئة عن قدرات وأداء الموظفين القطريين الذين يعدون العمود الفقري وأهم ركائز التنمية والنهضة الشاملة التي تشهدها البلاد، والدراسة، كما عرضت، ترسل رسالة خطيرة لأمير البلاد المفدى بأن القطريين لا يعيرون أية أهمية لما ينادي به سموه من ضرورة الانضباط في العمل والإنجاز والعطاء، وعدم التواكل والتكاسل،
وعلى الجانب الآخر نجد أن السكان غير القطريين قدموا أصلاً للعمل بدولة قطر فمجتمعهم هو مجتمع مهاجر وليس مجتمعاً مستقراً ويتصف بأنه: 1- غالبيتهم العظمى من فئة النشطين اقتصادياً وتتراوح أعمارهم بين 20 – 59 سنة، 2- تزيد نسبة الذكور عن الإناث بمعدل يبلغ 100 أنثى لكل 480 ذكرا، 3- لا يسمح للأطفال (أقل من 20 سنة) أو كبار السن (أعلى من 60 سنة)، وحسب القوانين القطرية، بالإقامة في قطر كعمالة وافدة، 4- قضاء معظم الوقت في العمل ولا وقت لتنمية العلاقات الاجتماعية، فلهذا كله فإنه ليس بغريب أن يصل متوسط الوقت الذي يقضونه في أنشطة الأعمال للحصول على دخل هو 6 ساعات و42 دقيقة لأن هذه هي المهمة التي قدموا على أساسها للبلاد، إن القائمين على الدراسة المسحية يعلمون علم اليقين بأن العينة غير السوية لا تعطي مؤشرات حقيقية يمكن الركون إليها، ومع ذلك، قاموا بالمضي بها ومن ثم اعتمدت ونشرت بموافقة كبار المسئولين من القطريين بالوزارة، وبما أن العينة غير سوية لاختلاف المشاركين بالدراسة فعليه فإن عملية المقارنة، التي قامت بها الوزارة عن قصد، بين القطريين وغير القطريين باطلة ولا تعطي أي مؤشرات يعتمد عليها بل تشوه سمعة القطريين وترسخ مفاهيم مغلوطة حول انخفاض إنتاجية المواطن لصالح الأجانب، ولأن خلف الدراسة الكثير من المعلومات لم تنشر فلهذا عندما زاد التذمر الشعبي من تلك الدراسة خرج مصدر مسئول بالوزارة مصرحاً بقوله: إن المعدل الحقيقي لعمل المواطنين هو 8 ساعات و11 دقيقة، ولو ركزوا على هذه المعلومة من البداية لكان أصوب لعرض الدراسة،
وفي الختام نقول إن هذا الاستطلاع، مع ارتفاع مستوى المعيشة وسرعة الحياة، قد قهرت الموظف القطري الذي يعمل ليلاً ونهاراً كأنه «آلة» لكي يوفر حياة كريمة له ولأسرته، وفي الأخير يجد أن جهده غير مشكور، وأن عمله غير محمود، ونقول للقائمين على تلك الدراسة إن سمو الأمير المفدى أذكى ممن أعد التقرير، فلقد قال سموه في أول خطاب له للأمة "وهذا الواقع الجديد (في بلادنا) قد يبهر الأنظار، وقد يثير حسد الحاسدين فيسيئون لقطر ولأهلها ظلماً وبهتاناً"، وهذا التقرير يمثل الظلم والبهتان الذي ذكره سمو الأمير المفدى.
والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع