الحكومة ومعاملة المسنين

 

الحكومة ومعاملة المسنين

في مقالة الأسبوع الماضي تكلمنا عن إحدى الفئات التي تم تناسيها من قبل الحكومة وهي مرضى التوحد واليوم نتكلم عن فئة أخرى كان لها، في قطر الماضي، احترامها المطلق، وكانت محل تقدير وإعزاز من فئات المجتمع قاطبة، أما الآن وبقيادة الحكومة، فقد تنكر لها المجتمع القطري، ولمن لا يعرف ما نتكلم عنه فنقول ألا إنهم كبار السن.
لقد كنت مع الأسرة في زيارة لليابان، وهناك رأيت العجب، أناسا ليسوا بمسلمين ولكنهم ينعمون، في الكثير من مجالات حياتهم، بأخلاق الإسلام. أما معاملتهم للمسنين فهي تتمثل في الاحترام المطلق لمن تجاوز الستين عاماً عن طريق تفضيلهم على غيرهم لإنهاء معاملاتهم، وتخفيض ملموس في أسعار المواصلات العامة، وتخفيض كبير عند دخولهم أماكن التسلية والترفيه، وتخفيض محترم في سعر تذكرة الطيران. وسألت السائق الذي كان يرافقني في أوساكا عن هذه المعاملة الخاصة لكبار السن فقال "إن هذا الأمر متغلغل في الثقافة اليابانية، وأن ما لمسته ما هو إلا شيء يسير فقط، فنحن نحصل عندما نحال للتقاعد على جميع راتبنا وكأننا على رأس عملنا، بل ونستدعى من وقت لآخر، وبحكم خبرتنا، لتقديم الاستشارة للحكومة أو الشركات، ونحصل على تخفيض على فاتورة التدفئة في أيام الشتاء الباردة، وعندما نستقل أي باص أو مترو أنفاق أو قطار فلنا أسعارنا الخاصة ومقاعدنا التي لا يزاحمنا عليها أي شخص آخر، ونحصل على تخفيض في رسوم تجديد رخصة السيارة، ورخصة القيادة". وجلس يعدد لي الكثير والكثير من المزايا وأنا جالس أسمع وأتحسر على وضع المسنين المنسيين في قطر. إن اليابان ما تقدمت وتسيدت العالم إلا بالاعتراف بآدمية المواطن، والقيام بتكريمه، ومحاولة وضع ابتسامة على شفتيه قبل أن يودع الحياة.
إن الله تعالى قد كرم المسن وأمر عباده بتكريم المسن وذلك في قوله تعالى "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {23}وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {24}" الإسراء. والأحاديث الشريفة بدورها لم تغفل كبار السن فها هو رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول "ما أكرم شاب شيخاً من أجل سنه إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه" وفي حديث آخر يقول "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم". ولا ننسى قوله "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر". والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتف بذلك بل أمر كل المسلمين بالسؤال عن أصدقاء أبيهم وأن يصلهم فقال "إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه، بعد أن يولي". وكان ذلك هو خلق القطريين منذ قدم الزمان. ولم تكن رعاية المسنين في يوم من الأيام، موضع بحث أو سؤال في وسط الأسرة، التي كانت تخفض جناحيها للوالدين المسنين وتوليهما كل رعاية واحترام. كما كان المجتمع ينظر إلى المسنين نظرة توقير واحترام، ويصفهم بالحكماء الذين ينبغي استشارتهم والاستفادة من خبراتهم دون إهمالهم. ومع الزمن، وبفعل مجموعة من المتغيرات المجتمعية، أصبحت رعاية المسنين عملا تقوم عليه مؤسسات اجتماعية متخصصة.
إن الحكومة فرضت القوانين لاحترام المسنين ولكنها تظل حبراً على ورق وذلك لعدم قيام الجهات التي كلفها ولي الأمر برعاية المسنين. فها هي اختصاصات إدارة شؤون كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية تحدد دورها بالدور التوعوي وليس التنفيذي وتهتم بصورة أساسية في تمثيل الدولة في المؤتمرات والفعاليات الإقليمية والدولية ذات الصلة مع أن القرار الأميري رقم (29) لسنة 2014 في المادة (16) لم يذكر هذا البند مطلقاً ولكن لحرص المسؤولين على السفرات والبدلات تم إدراجه على حساب الدور التنفيذي. أما المؤسسة القطرية لرعاية المسنين (إحسان) فهي تسعى بجهد جبار لتحسين حياة وأحوال المسنين وتعقد المؤتمرات وورش العمل لهذا الأمر. وكان من مهماتها فيما سبق استضافة كبار السن الذين تعجز أسرهم عن رعايتهم أو الذين ليست لهم أسر ترعاهم، ولكن في آخر تحديث لموقعهم وجدنا أن هذا البند قد انتزع من القائمة، وحل مكانه الدفاع عن حقوق المسنين. وفي أول اختبار لهم للدفاع عن حقوق المسنين وجدنا أن مباني "مجالس كبار السن" في الأحياء السكنية قد صادرتها الحكومة وأعطتها لجهات أخرى، ولم تستطع إحسان إرجاع تلك المباني أو الدفاع عن أبسط حقوق كبار السن التي ادعوا أنهم يباشرونها وذلك لسبب بسيط أنها مؤسسة خاصة مستقلة وليست حكومية. حتى المجلس الأعلى للصحة لا يراعي وضع كبير السن الصحي والبدني في المواعيد الطبية.
وفي الختام نقول ان عدد المسنين في قطر قد تجاوز 22 ألفاً من المواطنين والمقيمين وهم في حاجة إلى قانون متكامل لرعايتهم وتقرير حقوقهم احترامًا وتقديرًا لهم دون خضوعهم لأي استغلال أو سوء معاملة أو حتى النظر إليه على أنه انسان مريض وعاجز. وخيراً فعلت وزارة الداخلية التي أدخلت الجوانب الإنسانية في أعمالها اليومية لدرجة أن بعض الخدمات تعمل لهم بمنازلهم، ويا ليت غيرهم يقتدون بها.. ويا "مسؤول اليوم" أبشرك بأنك ستصبح من كبار السن يومًا ما فلا تنس أن تؤسس الخدمات المتنوعة لكبار السن من الآن لمنفعتك في المستقبل.
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع