الحكومة وأطفال التوحد

 

الحكومة وأطفال التوحد

لا أحد ينكر قيام الحكومة بمجهود كبير لخدمة المواطنين والمقيمين على أساس العدالة الاجتماعية، وحفظ حقوق الانسان. لكن فى ضمن هذا السباق الجاد من الحكومة، إلا أن هناك مجموعة من البشر تم تناسيهم من الخدمات الحكومية، الا من بعضها. وفى مقالة اليوم، سنركز على أطفال التوحد الذين كانوا يوضعون، فى السابق، خلف الأبواب الموصدة لعدم القدرة على فهم حالتهم.
ويعرف التوحد بأنه خلل وظيفى فى المخ وليس لدى صاحبه أية اعاقة جسدية أو خلقية لأنه يبدو ظاهرياً طبيعياً كالأشخاص العاديين تماماً. وظهوره يتزامن مع أخذ الطفل التطعيم الثلاثى (اختلف العلماء فيما بينهم فى هذا الموضوع). ويعتبر التوحد من الاعاقات الدائمة. ويعانى المصابون به بقصور وتأخر فى النمو الاجتماعي، والادراكي، والتواصل مع الآخرين، مع ظهور مشاكل فى اللغة، لكنهم يختلفون عن الأطفال المتخلفين عقلياً لأن لدى طفل التوحد قدرات ومهارات فائقة قد تبرز فى المسائل الرياضية أو الرسم أو الموسيقى والمهارات الدقيقة. وكل حالة من التوحد تختلف عن الأخرى فليست هناك قاعدة للجميع. وبما أن سبب التوحد ما زال غير معروف تماماً، فلذلك لا يوجد علاج له، وكل ما يعطى من أدوية للطفل هو فقط لتخفيف حالات النشاط المفرط لدى البعض، أو الاكتئاب والخمول لدى البعض الآخر. ويتفق الجميع على أن العلاج الوحيد هو تخفيف أعراض التوحد عن طريق التدريب التعليمى المنظم باستخدام وسائل التعليم الخاصة بالتوحد مع وضع خطط مناسبة لتعديل السلوك وتنمية مهارات التواصل ومتابعتها واشغال وقت الطفل بنشاطات محببة الى نفسه وسنه وشخصيته تنمى لديه الاعتماد والثقة بالنفس.
وتخلو احصائيات قطر، وللأسف، من الأعداد الحقيقية لأطفال التوحد وذلك لعدم اعترافهم بمرضى التوحد الا منذ 2013. ولكن تبعاً للنسبة العالمية فان عدد المصابين المحتملين فى سنة 2013 (سنة واحدة فقط) يصل لحوالى 170 حالة وقس على ذلك للسنوات الماضية. وذكرت أول احصائية أن عدد المسجلين فى عام 2013 هم 398 حالة توحد فى قطر منهم 171 حالة من القطريين. وفى اعتقادى أن الرقم، لأسباب تتعلق بالأسرة وبالمجتمع، أكبر من ذلك بكثير، وربما تصل الأعداد، فى أقل تقدير، الى أكثر من ألف حالة.
انه من المهم انشاء مركز متخصص للتوحد فى قطر لأنه لا يوجد فى قطر بطولها وعرضها سوى مركز الشفلح ولكن اهتمامه الأول بالأطفال ذوى الاعاقة الذهنية، وألحقت به وحدة للتوحد تهتم بالطلاب المصابين بالتوحد، ولهم جهود يشكرون عليها، ولكن امكانياتهم محدودة جداً، ولا يستقبلون سوى المصابين من سن 6 — 16 سنة (يعنى ما قبل وما بعد هذه السن لهم الله)، وقائمة الانتظار طويلة جداً، وقدرتهم الاستيعابية بسيطة جداً. أما مستشفى الرميلة فهو يقوم بتأهيل المتوحدين، ولكن يعتبر من يأخذ موعداً معهم أنه "ذو حظ عظيم" لأن قوائم الانتظار للتشخيص والتأهيل والعلاج بالرميلة تصل الى سنة أو أكثر، ولهذا فان التأهيل فى الرميلة، لطول فترة الانتظار، لا يمكن الركون اليه. ولهذا يضطر أولياء الأمور للذهاب للمراكز الخاصة (حتى الآن هناك ثمانية مراكز خاصة)، ولكن هذه المراكز تتعامل مع اطفال التوحد كتجارة مربحة برسوم بعضها خيالى لا تستطيع ميزانية الكثير من الأسر تحملها. فلهذا فانه ليس غريباً على أولياء الأمور المقتدرين الذهاب الى دولة الكويت وامارة دبى للحصول على التشخيص السريع والعلاج. وخيراً فعلت الكويت عندما قامت الامانة العامة للاوقاف (وينكم يا أوقافنا) بالتعاون مع أهل الخير بانشاء مركز للتوحد لتحسين نوعية حياة الطفل التوحدى مع أسرته ومجتمعه. ولقد أصبح هذا المركز من المراكز المعترف بها عالمياً لدرجة أن المؤتمر العالمى الرابع للتوحد عقد بالكويت هذا الشهر. والمركز يوفر بيئة تعليمية متكاملة للمتوحدين ويقدم برامج تدريبية للاسر لمساعدتها على مواجهة الصعوبات السلوكية لدى الطفل.
وفى هذا المقام فانى أود أن أقدم شكرى للجمعية القطرية لذوى الاحتياجات الخاصة على ما تبذله من جهود كبيرة بالرغم من امكانياتها المتواضعة، ويجب ألا ننسى شكر قوة الأمن الداخلى (لخويا) التى طوعت بعض امكانياتها لخدمة أطفال التوحد. وشخصياً أشكر أمهات أطفال التوحد اللاتى شكلن بين أنفسهن نوعا من الرابطة من خلال "الواتس أب" لتبادل المعلومات والأخبار والفيديوهات حول مختلف التجارب التى مرت عليهن وللتحدث عن أساليب العلاج الحديثة، ولكن يظل هذا مجهودا غير مؤسسى يحتاج الى تنظيم ومراجعة. ان احتياجات أطفال التوحد، يا حكومة قطر، عديدة. من أهمها: 1. انشاء مركز واحد متخصص يجمع الجهود المبعثرة. 2. مركز خاص للكشف والتشخيص المبكر. 3. اعطاؤهم الأولية فى مواعيد الأطباء البشريين ومواعيد العلاج وجلسات التأهيل. 4. اعداد مناهج دراسية تتناسب مع مواهبهم وقدراتهم. 5. أماكن خاصة فى الحدائق والمناطق الترفيهية لعدم قدرتهم على الاندماج مع غيرهم. 6. مراعاة الأم العاملة فى الحضور والانصراف.
وفى الختام فان طفل التوحد يسبب معاناة حقيقية لوالديه لقلقهما على مستقبل طفلهما لأنه يحتاج الى رعاية ومساندة مدى الحياة. اننى أشجع أولياء الأمور على فحص أبنائهم الذين يعانون من مشاكل النمو، وعند التثبت من اصابتهم بالتوحد فعليهم القيام بتسجيلهم لدى الجهات المختصة، لأن التستر عليهم سيزيد من العوارض التى يعانون منها، وفى نفس الوقت سيحرمهم من علاج ظواهر هذا الخلل الوظيفي. ان الطفل المصاب له الحق فى الحصول على راتب شهرى من الضمان الاجتماعى (000ر4 ريال) وبدل خادمة للعناية بهم (500ر1 ريال).
والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع