إختلال الموازين

 

إختلال الموازين

لقد أتى إليّ أحد الأصدقاء معبراً عن غضبه وسخطه على ما آلت إليه الأمور في قطر. فقلت له يا ريت تذكر الأسباب التي جعلتك في هذه الحالة وأنت من الناس المعروف عنهم الحلم والصبر؟ قال: غضبي من الحكومة وأفعالها في عدم العدل والمساواة بين الشركات القطرية. فطلبت منه الإيضاح أكثر، فقال: طرحت الحكومة مناقصة عامة لإقامة مبنى، وتقدمت للمناقصة، وبعد فتح المظاريف وجدت أن السعر الذي تقدمت به هو ثاني أقل الأسعار، إلا أن الترسية كانت من نصيب شركة (....)، وهي الشركة الأعلى سعراً من بين الذين تقدموا. وتقدمت لمناقصة حكومية أخرى لأعمال حفر، وبعد فتح المظاريف، تم تبليغي بأن سعري هو الأقل، وطبعاً كنت متوقعاً أن تتم ترسية المناقصة على شركتي، ولكن، بقدرة قادر، تمت الترسية على شركة (....)، وهي أصلاً لم تدخل في المناقصة. وكل مناقصة نتقدم لها يتم ترسيتها على شركة (....)، سواء تقدمت هذه الشركة للمناقصة، أم لم تتقدم. فقلت له ومن هم أصحاب هذه الشركة التي تملك عصا سحرية قادرة على تحويل ترسية المناقصات لها بدون تعب ولا جهد؟ وهنا أتت الصدمة القوية التي لم أتوقعها، فقد قال إن صاحبها غير قطري، ولم يدخل السوق القطري إلا في السنوات الأخيرة، ولكن تم تفضيله على كثير من القطريين الذين لهم باع طويل في تنفيذ الأعمال. وجلست أتفكر في الوضع من ناحية العدالة والمنطق. وأول ما تبادر إلى ذهني: ما هو دور الحكومة في إرساء العدل والمساواة؟

إن الدستور القطري، في مادته (28)، نص على أن "الدولة تكفل حرية النشاط الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية والتعاون المتوازن بين النشاط العام والخاص، لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة الإنتاج، وتحقيق الرخاء للمواطنين، ورفع مستوى معيشتهم وتوفير فرص العمل لهم" وهنا نسأل الحكومة: أين العدالة الاجتماعية من مثل تلك الأفعال؟ وأين تحقيق الرخاء للمواطنين وهم مبعدون؟ وأين توفير فرص العمل لهم والعمل يذهب لغيرهم؟ أما المادة (19) من الدستور فهي تقول "تصون الدولة دعامات المجتمع، وتكفل الأمن والاستقرار، وتكافؤ الفرص للمواطنين" وهل تكافؤ الفرص للمواطنين هو حرمانهم من حقوقهم، من مبدأ المساواة في الظلم عدل، وإعطاء تلك الحقوق لغير المواطنين؟ إن المادة (54) من الدستور تذكر أن "الوظائف العامة خدمة وطنية، ويستهدف الموظف العام في أداء واجبات وظيفته المصلحة العامة وحدها" وهل من المصلحة العامة إرساء المناقصات على الأعلى سعراً؟ وهذا، في حد ذاته، مخالفة صريحة للمادة (55) من الدستور التي تذكر أن "للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على الجميع" وفوق كل ما سبق نذكر الحكومة بالمادة (1) من الدستور التي تنص فقرة منها على أن قطر "دينها الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي لتشريعاتها" وأنا أقول، حسب فهمي من الدين الإسلامي، أن الدين براء من هذه الأفعال.

إن الدين الإسلامي، الذي أعرفه، هو دين حياة، ولم يترك مسألة إلا عالجها بما يحقق الصلاح في الدنيا والآخرة. وعندما قرر الإسلام العدل، فهو قرره في كل ما يمس حياتنا، حتى أنه لم ينسَ العدل بين الأولاد في العطية، فلا يخص أحدهم أو بعضهم بشيء دون الآخرين. والسبب في ذلك يعود إلى أن التفضيل بين الأولاد يقود إلى التباغض والتحاسد وقطع الأرحام والعقوق. وكل ذلك محرم في الإسلام، وإن ما يؤدي إليهم، بالقياس، يكون محرماً. وقد أتى إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال له: إني نحلت (أعطيت) ابني هذا غلاماً (عبداً) كان لي، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم "أكلُّ ولدِك نحلتَه مثل هذا؟ فقال: لا، فقال عليه الصلاة والسلام فأرجعه". وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "فاتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم". إن العدل، كما هو معروف، هو اسم من أسماء الله الحسنى، وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تأمر بالعدل مثل قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ" النحل: 90. ويقول تعالى "وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ" النساء: 58. فالله يأمر بعدم إنقاص الناس حقوقهم، قال تعالى "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ" الشعراء: 138. وقال تعالى "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" المائدة: 8، وكان الصحابي الجليل أبو هريرة يقول "عمل الإمام العادل في رعيته يومًا أفضل من عبادة العابد في أهله مائة سنة". إن العدل يشيع الحب بين الناس ويحمي الحقوق والأملاك والأعراض، ويقوي العلاقة الحسنة بين الحاكم والمحكوم.

وفي الختام نقول، يا كبار المسؤولين في البلد، نحن مواطنون، يعني أولاد هذا الوطن، فنفذوا وصية رسولنا صلى الله عليه وسلم في قوله "فاتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم". ولا تكونوا كفرعون في قوله تعالى "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ .." القصص: 4. لأن فرعون كان يستضعف طائفة من أهل مملكته فيجعلها محقرة مهضومة الجانب لا مساواة بينها وبين فرق أخرى ولا عدل في معاملتها بما يعامل به الفرق الأخرى، في حين أن لها من الحق في الأرض ما لغيرها؛ لأن الأرض لأهلها وسكانها الذين استوطنوها ونشأوا فيها .. ترى الحالة، يا حكومة قطر، ناشفة عند الكثير من الشركات القطرية.

والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع