المصلحة الشخصية .. أولاً

 

المصلحة الشخصية .. أولاً

دخل أحد الأشخاص من جنسية عربية لأحد مكاتب الصرافة وفي يده رزم كبيرة من المال، وتوجه إلى مكتب تحويل العملات للخارج، وطلب تحويل المبلغ لحسابه الشخصي في بلده الأصلي. طبعاً هذا الأمر استرعى انتباهي. وبعد انتهائه من تحويل المبلغ قمت بالسلام عليه، وعرفت منه أنه صاحب شاحنة مسجلة باسم كفيله، وأن كفيله في قطر هي إحدى المواطنات، والكفالة شخصية، وليست من خلال شركة أو مؤسسة، وأن هذه المواطنة تكفل حوالي 25 شخصاً من نفس الجنسية، وهم يعملون لديها اسمياً مقابل مبلغ شهري يدفعها كل واحد منهم.

إنه من المعروف أن السيارات الخاصة والكفالات الشخصية هي لصالح الكفيل ليقضي بها مصالحه الخاصة شبه اليومية، ولا أعتقد أن هذه المواطنة تتنقل، وبشكل شخصي، من مكان إلى آخر في مثل تلك الشاحنات ولم أشاهد شاحنة تنقل كيس رز أو كرتونة زيت من السوق لبيت صاحب الشاحنة. إن هذه الشاحنات، وكما يعلم الجميع، مخصصة لأداء الأعمال وليس للمصالح الشخصية. وهذا الأمر يقودنا إلى عدة تساؤلات:

1. كما هو معروف أن هناك فرقاً كبيراً بين النقل الخاص للمنازل والمتمثل في "البيك أب"، والنقل الخاص لأعمال الشركات والمتمثل، بجانب البيك أب، بالشاحنات. والسؤال الأول هو: كيف ترخص إدارة المرور بوزارة الداخلية هذا الكم من الشاحنات كأنها للاستعمال الشخصي، وهي أصلاً ليست لهذا النوع من الاستخدامات؟ وبالقياس على ذلك، فإن إدارة خفر السواحل ليس لها الحق في منع أصحاب السفن والقوارب في ممارسة الصيد التجاري "الخاص"، لأن هذه السفن والقوارب ملك خاص بأصحابها.

2. الكفالات الشخصية، وكما هو معروف، يتم الموافقة عليها من قبل لجنة تتبع للإدارة العامة لجوازات المنافذ وشؤون الوافدين بوزارة الداخلية. والسؤال الثاني هو: كيف تسمح تلك الإدارة للأفراد بالحصول على عدد كبير من العمالة الوافدة على الكفالة الشخصية (بعض الأشخاص تجاوز عدد السائقين عن 30 سائقا) مع أنهم يعملون في قطاع النقل وهو قطاع اقتصادي وليس شخصي؟ وبهذا القياس، فإن من حق أصحاب الشركات، بصفتهم الشخصية، جلب العدد المراد من تلك الإدارة، وعدم الدخول في متاهات لجنة الاستقدام بتعقيداتها، وشروطها التعسفية. مع العلم أن وزارة الداخلية سمحت للمكفول الشخصي بالعمل في شركة كفيله.

3. مع أن الراتب لفئة السائقين، حسب السوق، وحسب عقود نظرائهم بالشركات، لا تتجاوز بحدها الأقصى عن 500ر3 ريال شهرياً، ومع ذلك يقوم بعضهم بتحويل مبالغ شهرية تزيد عن عشرة أضعاف ذلك الراتب. والسؤال الثالث هو: كيف يسمح مصرف قطر المركزي بقيام سائقين محددة رواتبهم في عقد العمل بمتوسط 000ر2 ريال قطري بتحويل مبالغ شهرية لدولهم الأصلية تزيد عما يتحصلون عليه حسب العقود الرسمية؟

4. في قطر مجموعة من القوانين تنظم الكسب، وتمنع التستر في أداء الأعمال، وما يحدث من هؤلاء، وغيرهم الكثير، هي مخالفة صريحة لتلك القوانين، وإن السكوت على تلك المخالفات ستؤدي، بلا شك، إلى مخالفة قوانين أخرى. والسؤال الرابع هو: لماذا لا تتحرك النيابة العامة، التي لها سلطة التحقيق والاتهام ومباشرة الدعوى الجنائية، للتحقيق في الكسب غير المشروع لهذه الفئات؟

5. إن كبر حجم التحويلات للعمالة الوافدة يقودنا إلى نتيجة حتمية وهي: 1. إما عقد العمل غير صحيح. أو 2. إن هذه العمالة تتحصل على الأموال بطريقة السرقة. وكلتا الحالتين يعاقب عليها القانون. والسؤال الخامس هو: لماذا لا تتدخل إدارة التحقيقات الجنائية لسؤال هؤلاء من أين لهم هذه المبالغ الإضافية التي تزيد عن رواتبهم حسب العقود؟

6. حسب القانون، إن كل من يمارس أي نوع من الأنشطة الاقتصادية يجب أن يكون حاصلاً على سجل تجاري، ومن شروط الحصول على السجل التجاري وجود مكتب قائم لممارسة النشاط من خلاله. ولكن هذه الأنشطة وللأسف تمارس من المنازل، وبهذا تقل المصروفات على صاحب النشاط بحيث يسمح له بكسر الأسعار بطريقة لا تستطيع الشركات القائمة، التي عليها مصاريف متنوعة، بخفض الأسعار بشكل مشابه. والسؤال السادس هو: لماذا لا تقوم وزارة الاقتصاد والتجارة، بالتنسيق مع إدارة المرور، بإجبار مثل هذه الفئات لفتح سجل تجاري بشكل رسمي وممارسة أعمالهم بشكل قانوني؟ 7. إن الشركات مجبرة على الاشتراك في غرفة تجارة وصناعة قطر وتسديد رسوم سنوية، وبالنتيجة فإن على الغرفة حماية منتسبيها من أولئك المتطفلين على الأنشطة المشابهة. والسؤال السابع هو: لماذا لا تتحرك الغرفة لحماية منتسبيها من شركات النقل التي تدار من المنازل دون ترخيص؟

أسئلة كثيرة ولكن الكل يصد عنها ويعتبرها كأنها غير موجودة، وهذا مرده، حسب اعتقادي الخاص، بأن هناك مصالح شخصية لكبار المسؤولين تغلف الموضوع. وهذه الظاهرة (أي المصالح الشخصية) تمثل مشكلة كبيرة فهي موجودة ومتفشية ويقوم بها كبار المسؤولين، بعضهم بشكل علني، عن طريق الاستفادة من مكان الوظيفة، وبدون حساب، لتمرير وتحقيق الأهداف الشخصية، وفيها تغلب المصلحة الشخصية على مصلحة العمل، وبه تصبح الجهة العامة والقوانين المنظمة لحياتنا سوقًا للمزادات والمزايدات.

وفي الختام نقول حدثوا العاقل بما يعقل.. كيف تكون عدة شاحنات طويلة وعريضة للاستعمال الشخصي؟ إنني لا أنادي بالقضاء على المصلحة الشخصية المستنيرة التي تعمل من أجل خدمة ومصلحة الآخرين، ولكنني أنادي بالقضاء على المصالح الشخصية الخبيثة التي لا تجلب سوى الدمار لبنية الاقتصاد المحلي في دولة القانون والمؤسسات.

والله من وراء القصد،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع