المحكمة .. وتنفيذ الأحكام

 

المحكمة .. وتنفيذ الأحكام

موضوع اليوم متعلق بالقوانين المنظمة لعمل المحكمة وليس المحكمة نفسها أو القضاة الأفاضل الذين أعتز وأتشرف أني أخ لأغلبهم. والحكاية بدأت في أحد المجمعات التجارية حيث أتت مواطنة لا أعرفها قائلة: هل ترضى يا دكتور ما يحدث لنا من المحاكم القطرية. وأضافت: كنت قد قمت بتأجير مجمع سكني وقمت بتأجيره من الباطن لأسر وافدة بمبلغ يدر علي في نهاية الشهر ربحا معقولا، ولم أتأخر في أي شهر عن سداد الأجرة. وفي يوم من الأيام وجدنا شخصا من المحكمة يلصق أمر إخلاء العين على جميع الوحدات السكنية. وبعد الاستفسار علمنا أن صاحب المجمع قد رفع قضية، دون علمي، وكسبها بفسخ العقد وإخلاء المجمع من ساكنيه. ولأن الحكم كان غيابياً فقد قمت بطعن الحكم أمام محكمة الاستئناف التي، بعد مداولات استمرت أشهراً طويلة، حكمت لصالحي. ولكن المشكلة كانت في استمرار محكمة التنفيذ في تنفيذ حكم المحكمة الابتدائية ولم ينتظروا نتيجة حكم محكمة الاستئناف مما نتج عنه إخلاء ما لا يقل عن نصف المجمع السكني مما جعلني أمر بظروف مالية صعبة لأن مجموع قيمة الإيجارات للوحدات التي لم يخرج منها سكانها لا تغطي سوى 60 % من قيمة الإيجار الشهري. وزيادة على ذلك فقد قام الذين غادروا المجمع برفع أكثر من عشرين قضية تعويض لإخلالي بالعقد المبرم معهم. وكل ذلك لأن قضاة محكمة التنفيذ، بحكم القانون، لم ينتظروا نتيجة حكم محكمة الاستئناف. وتكرر نفس السيناريو مع مواطن آخر حجزت جميع شاحناته لقضية لا يعلم عنها شيئاً. وعندما تقدم للاستئناف وافق قاضي الاستئناف على إيقاف التنفيذ لحين البت في الاستئناف. وحاول إخراج شاحناته لأنها مصدر رزقه الوحيد له ولأسرته فقال له قاضي التنفيذ إن الحكم لإيقاف التنفيذ وليس إلغاؤه. وحاول إقناع القاضي بوضع الشاحنات على الأقل بالحجز الإداري حتى يستطيع تشغيلها لتغطية أقساط الشاحنات ومصروفات السائقين بدلاً من تكبده ديونا أو قضايا إضافية. ولكن لا حياة لمن تنادي.

فما هي المحكمة الابتدائية؟ المحكمة الابتدائية، بحكم القانون، لها الولاية العامة للنظر في جميع القضايا التي ترفع. وبالتالي فالاختصاص منعقد نوعياً للمحكمة الابتدائية بالنظر في مختلف الدعاوى سواء كانت جنائية أو تجارية أو مدنية أو أحوالا شخصية أو غيرها من القضايا، حيث يعرض النزاع أمامها لأول مرة وتقوم بالحكم ابتدائياً. وعندما تصدر المحكمة الابتدائية الحكم تصبح أحكامها "واجبة النفاذ" أي مشمولة بالنفاذ المعجل حتى ولو قام المدعى عليه بالطعن على الحكم أمام محكمة الاستئناف أو التمييز. إن لقاضي محكمة الاستئناف الصلاحية لإيقاف النفاذ المعجل متى كان النزاع معروضا عليه. مع العلم أن القاعدة في الكثير من التشريعات هو إلغاء الأحكام النافذة نفاذاً معجلاً بقوة القانون إلغاءً مؤقتاً متى ما رفعت وقبلت لدى محكمة الاستئناف.

إن هناك فرقا بين المسائل النزاعية العارضة بالتنفيذ وبين تدارك الخطأ الواقعي الذي يتضرر منه شخص حكم عليه بحكم اكتسب قوة الشيء المقضي به من جهة وبين الخطأ المادي الذي انتاب حيثيات أو منطوق الحكم. فعليه فإنه من الواجب التريث بها لأنها معرضة، بنسبة كبيرة، للإلغاء. إن تنفيذ الحكم بالعقوبة يسري إذا لم يعارض فيه المحكوم عليه في الموعد المحدد. ولكن بما أن القانون سمح باستئناف الحكم خلال مدة شهر فمن واجب المحكمة في هذه الحالة إلغاء التنفيذ مؤقتاً إذا قبل الاستئناف. لأن الخلاف أصبح في ولاية محكمة أعلى مستوى من المحكمة الابتدائية. فمن باب أولى أن يتم إلغاء أو تأجيل الحكم الابتدائي أن قاضي الكل هو قاضي الجزء وإن من يملك الأصل، وهو الاستئناف، يملك الفرع، وهو التنفيذ.

لقد سألت كبار القضاة والمستشارين عن شخص حكم له من طرف المحكمة الابتدائية بمبلغ الدعوة، ولنقل على سبيل المثال 100 ألف ريال، واستأنف المدعى عليه ولكن قاضي التنفيذ أجبره عن طريق التنفيذ الجبري بدفع كامل المبلغ (التنفيذ الجبري هو حجز جميع أمواله وممتلكاته أياً كانت قيمتها، والمنع من السفر، والتهديد بالسجن)، وعندما نظرت محكمة الاستئناف بموضوع القضية حكمت لصالح المدعى عليه، فكيف يستطيع: 1. استرداد أمواله؟ 2. تعويض الضرر المادي والمعنوي الذي تعرض له؟ وجميعهم أفاد بأن على "المحكوم عليه" القيام برفع دعوى على "المحكوم له". وهنا لنتخيل التعب والمعاناة التي سيمر بها من أخذت أمواله بطريق قاضي التنفيذ. والسؤال الثاني: إذا تسلم المدعي المبلغ من محكمة التنفيذ وقبل صدور حكم محكمة الاستئناف لصالح المدعى عليه سافر المدعي إلى بلده الأصلي. فماذا يفعل من أخذت أمواله غصباً؟ وكانت إجابة بعضهم: نجيبه بالإنتربول. أما البعض الآخر فكأنهم قالوا في قلوبهم: الله يعوضه. صحيح أن كل محكمة مختصة بتنفيذ أحكامها وقراراتها ولكن الحكمة تلزم أن التنفيذ يجب ألا يؤدي إلى ضرر لمن حكم عليه وبخاصة إذا كانت القضية ينظر فيها من محكمة ذات مستوى أعلى.

وفي الختام فإننا نعلم علم اليقين أن القضاة، حفظهم الله جميعاً، يعملون ضمن القوانين القطرية، ولكن بعض هذه القوانين، في حد ذاتها، يشكل مشكلة كبيرة أمام المتخاصمين في المحاكم. إنني أرى، وهذه وجهة نظري، أنه لا بد لأحكام المحكمة الابتدائية أن تحظى بإلغاء التنفيذ مؤقتاً أو على الأقل بوقف التنفيذ أثناء الموعد المقرر للاستئناف وأثناء تداول الاستئناف. أما الحجز التنفيذي فلا بد أن يكون على مستوى الحقوق المطالب بها وليس حجزاً كاملاً على جميع الأموال والممتلكات مما يهلك الحرث والنسل.

والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع