التراشق بين الأجهزة الحكومية

 

التراشق بين الأجهزة الحكومية

شخصياً ما أحب وزارة البيئة القطرية لأنك أول ما تتمغط في البر، أو على الشاطئ، إلا جاؤوك يقولون لك هذا ممنوع، وهذا غير مسموح. وإذا أردت أن تنشئ مصنعاً قدموا لك عرائض ليس لها أول ولا آخر. وإذا حاولت أن تستورد أي شيء من الخارج فيه جزء من أي حيوان نشبوا في بلعومك. ولكن، مع كل ذلك، نحيي فيهم روح الإحساس بالمسئولية، والالتزام المهني بالقوانين الصادرة المنظمة لشئون البيئة. والذي دعاني للكتابة عن وزارة البيئة هو ما صدر عنهم، وعليهم، بعد أن توقفت عن الكتابة بمناسبة شهر رمضان الماضي.

فالذي صدر عنهم، ويدعو للفخر، أن وزارة البيئة القطرية بالتعاون مع وزارة البيئة في "شينجيانغ" أقامت مركزين أحدهما لإكثار الصقر الحر بنوعيه الأبيض والأشـقر، فيما خصص الثاني لإكثار طائر الحبارى الآسيوي بهدف إيجاد الموازنة اللازمة ما بين صيدها كهواية تراثية، والمحافظة عليها في الطبيعة بأعداد مناسبة حتى لا تنقرض. وبينت التقارير الصادرة أنه سيرفق مع المركزين الأدوات اللازمة لعمل الدراسات والبحوث، مما سيساهم بشكل حقيقي في إثراء المعارف عن هذه الطيور التي يلف الغموض أجزاء كبيرة من حياتها، وسلالاتها، وهجرتها، وطبيعتها، وقدرتها الجسمانية. (لمزيد من المعلومات انظر الراية 20 /7 /2014). ويكفي لقطر أن المركزين سيكونان الأولين من نوعهما على المستوى العالمي، ولقد تم إنشاؤهما وفقًا للمقاييس العالمية. ان إقامة هذين المركزين، كما صرح مدير عام البيئة في مقاطعة شنجيانغ، كان يعد حلمًا في مدينة "التاي".

والذي صدر عليهم أن الراية بتاريخ 17 /7 /2014 نقلت عن مصدر بقطاع المحميات، التابع للمكتب الهندسي الخاص، قوله "ان تهاون مفتشي البيئة وراء استمرار مخالفات التخييم". وذكر المصدر "ان عدم اتخاذ مراقبي البيئة لتلك الإجراءات ساهم في بقاء الكثير من المخيمات في مواقعها دون إزالة". ولكن هذا المصدر نسي ما ذكره سابقاً وقال "إن الغالبية العظمى من المخيمين التزموا بالاشتراطات الخاصة بالتخييم وقاموا بإزالة مخيماتهم عقب انتهاء الموسم، كما قاموا بتنظيف مكان المخيم وتسليمه لمراقبي الوحدة البيئية كما استلموه نظيفاً". وأكد المصدر "انه وبشكل عام فإن المواطنين لديهم الوعي الكافي بأهمية الحفاظ على البيئة وحماية البر القطري من أي ملوثات". وفي الحقيقة فإني أرغب من صاحب التصريح أن يبين لي "كيف قامت الغالبية العظمى بإزالة مخيماتها" في حين أنه يؤكد في نفس التصريح "بقاء الكثير من المخيمات في مواقعها". وبعد ذلك ذكر المصدر، بفخر شديد، أن نتائج "الحملة الموسعة" التي، حسب التصريح، صدرت بناء على "أوامر من السلطات العليا"، استطاعت، وبالقوة الجبرية، إزالة 6 مخيمات. فإذاً "الحملة الموسعة" للمكتب الهندسي بالتعاون مع قوة الأمن الداخلي، ووزارة الداخلية، وبعض البلديات، والتي امتدت لعدة أيام لم تجد سوى 6 مواقع خالف أصحابها شروط التخييم الخاصة من مجموع ربما يصل إلى أكثر من ألفي مواطن رخص لهم بإنشاء مواقع تخييم. (النسبة لم تتجاوز 0.3 % من المجموع العام).

إنه من الجيد والحسن أن نكون على إطلاع بإنجازات الجهات الحكومية سواء في داخل البلاد أو خارجها. لكنه من المعيب أن تصرح إدارة من إدارات المكتب الهندسي الخاص بمثل ذلك التصريح وذلك:

1. لأن المكتب الهندسي الخاص ككل يتبع لسمو الأمير المفدى والوزارة نفسها تتبع لسمو الأمير فالمفروض أن كل الأجهزة الحكومية مكملة لبعضها البعض وتعمل لهدف واحد. 2. لأنه لا يوجد ما يسمى "صدرت بناء على أوامر من السلطات العليا"، فدولة القانون ليس بها أوامر من سلطات عليا، بل بها قوانين تسّير العمل، ومن يخالف القانون تطبق عليه الجزاءات المناسبة. 3. لأن المادة (5) مكرر من القرار الأميري رقم (64) لسنة 2005 بشأن المكتب الهندسي الخاص حددت اختصاصات قطاع المحميات الطبيعية بما هو متواجد داخل المحميات الطبيعية الخمس فقط وخروجهم للمناطق الأخرى يعتبر تعدياً على اختصاصات جهات أخرى، ولا أعتقد أن سمو الأمير المفدى يوافق على مثل هذا التعدي. 4. لأن هناك طرقاً أخرى لمحاسبة الجهات المقصرة ولا يجوز محاسبة أي جهة في نفس هيكلة الدولة عن طريق الجرائد والتشهير بها بهذا الأسلوب "الذي به الكثير من المتناقضات" مما يضر المكتب الهندسي أكثر من الوزارة. 5. لأنه لا يجوز أن تقوم إدارة من المكتب الهندسي بمهاجمة وزارة بكامل أجهزتها وطواقمها الإدارية والفنية بهذا الشكل فهناك طرق عديدة لمحاسبة الجهة المقصرة ولكن تأتي من خلال رئيس المكتب باتصاله مع الوزير أو الجهات الأخرى.

والعجيب في الأمر، أن هذه "الحملة الموسعة" جندت لها ثلاث دوريات من قوات الأمن الداخلي "لخويا". وكما تعلمون أن قوة لخويا، التي أنشئت في 2003، تتركز اختصاصاتها في التصدي للأعمال الإرهابية، والاعمال المخلة بالأمن الداخلي مثل أعمال الشغب، وتفريق المظاهرات والتجمهر والمسيرات غير المشروعة، وتأمين خط سير المواكب الرسمية للأمير وكبار الشخصيات وضيوف دولة قطر. ولكن أن تتحرك هذه القوة ولمدة عدة أيام للتصدي لعدد 6 من المواطنين، أنشأوا مخيمهم في الأساس بموافقة حكومية، فهذا أمر غير مقبول بالمرة. بل إن لخويا بعملهم هذا شاركوا في تعدي جهة رسمية على اختصاصات جهة رسمية أخرى.

وفي الختام نقول: يا قطاع المحميات.. اتركوا لنا المجال، ككتاب مواطنين ومحايدين، للتكلم عن اخفاقات الأجهزة الحكومية وعدم وصولها للمستوى المطلوب من الخدمات المتنوعة، وركزوا عملكم في تصويب الخطأ عن طريق التعاون والتنسيق مع الجهات الأخرى.

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع