الزحمة والقرارات العشوائية

 

الزحمة والقرارات العشوائية

في تمام الساعة 10 من صباح أحد الأيام، قمت أتجول بدون هدف في شوارع الدوحة، متوقعاً أن الطلاب في مدارسهم وجامعاتهم، والموظفين في أشغالهم ومقار عملهم، وعليه ستكون الشوارع شبه خالية. ولكن هيهات هيهات. وقمت بالوقوف في الموقف الذي يقع إلى شرقي بلدية الدوحة لأتفرج على الوضع (أغلق الموقع بعد أيام من خروجي منه)، وإليكم مشاهداتي: عدة باصات طويلة وعريضة وبلغ عدد الركاب في كل واحد منها حوالي 3 أشخاص مع السائق، عدة سيارات خاصة وقفت بجانب مبنى المحكمة الإبتدائية لتنقل أشخاصا كسيارات أجرة، في حين "تكاسي" كروة فاضية وتبحث عن عميل، معظم السيارات الخاصة لا يوجد بها سوى شخص واحد فقط، معظم السيارات الخاصة هي للوافدين، عدة سيارات، وبدون خجل ولا حياء من سائقيها، تتجاوز الطوابير المنتظرة لتسير أمامهم بالقوة، دراجات نارية تدخل بين الصفوف مزمجرة بأصوات عالية، عدة سيارات تخرج من الشارع الفرعي جنوبي المحكمة وتأخذ طريقها بقوة إلى أقصى اليسار، هذا إلى جانب مشاهدات أخرى. وهنا برزت عدة تساؤلات: لماذا موظفو الحكومة والشركات خارج أعمالهم؟ هل هم متقاعدون مثلي وخاصة الوافدين منهم؟ هل كل الوافدين الذين في الشارع مديرون أو مندوبون ويتطلب عملهم الخروج؟ هل الوافدون الذين يعملون كتاكسي خاص ليس لديهم عمل عند كفلائهم؟ هل من الناحية الإقتصادية تسيير باص سعة 50 راكبا وينقل عددا لا يتجاوز ثلاثة؟ والسؤال الكبير لماذا تدفع الدولة لكروة من المال العام وهو مال الشعب لتعويض خسائرها، في حين سياراتها تسير فارغة؟ بعد كل ذلك وغيره الكثير من التساؤلات، أليس الوضع يحتاج إلى دراسة جادة بدلاً من ترك الناس تأكل بعضها البعض في الشوارع والطرق؟

لقد صرحت إدارة المرور عندما اجتمعت مع ممثلي مدارس تعليم قيادة السيارات بتاريخ 10/7/2013 بأنهم سيمنعون فئات من الوافدين من الحصول على رخص قيادة، الأمر الذي سيؤدي، على حد اعتقادهم، إلى تخفيف الزحام من شوارع قطر. وقلت في حينها لمدير المرور بأن هذا ليس حلاً، لأن مثل هذا القرار سيخلق مشكلة لأصحاب وكالات السيارات، والكراجات، وكل من له علاقة بخدمات السيارات، لأنه سيقلص من حجم أنشطتهم، ومداخيلهم، ولن يحل المشكلة الأساسية. وما حدث أن تلاعبت الشركات قي التصدي لهذا القرار وقامت بتحويل عمالها، بطريق رسمي من خلال إدارة العمل وإدارة الجوازات، إلى مسمى سائق، ليسمح لهم بالحصول على رخصة سياقة. لذلك وبعد عشرة شهور من ذلك التصريح ولا تزال المشكلة أقوى مما كانت عليه في السابق. ومن هذا يتضح أن هناك مشكلة حقيقية في الشوارع والطرق، لأن كل الحلول نابعة من دراسة عنصر واحد لا يسمن ولا يغني من جوع. ولذلك فإنه من المهم إيجاد حل لكل العناصر حتى يتم اتخاذ القرار الصحيح. فالدولة دفعت مليارات من الريالات القطرية لإنشاء شبكات الطرق والشوارع، والعجيب أنه كلما دخل خط جديد في تلك الشبكة امتلأ على آخره، كأن الدولة لا توجد لديها خطة استراتيجية للمرور، وكل عملها مبني على التوقعات والاحتمالات. والدليل على عدم وجود خطة، أن قامت إحدى الوزارارت بنشر استبيان على العاملين بالقطاع العام والخاص تطلب اقتراحاتهم لحل مشكلة المرور في منطقة الأبراج. ونقول الله يعوض علينا في الملايين التي صرفت على: 1. مكتب التخطيط المركزي بوزارة البلدية والتخطيط العمراني، والذي أنشئ بالتعاون مع الشركة الاستشارية دبليو إس أتكنز البريطانية. 2. الرواتب والمكافآت التي تصرف لمهندسي واستشاريي الطرق في كل من البلدية وأشغال. وأقول أيضاً الله يعوض علينا في جمعية المهندسين القطرية التي أنشئت منذ 2004 ولم تسهم في اقتراح حلول للمشاكل التي يتعرض لها المجتمع.

إن الدولة، إذا أرادت تطبيق أي نظام، فعندها الأدوات المناسبة لتطبيقه، بغض النظر عن رضى المجتمع. فعندما أرادت رفع جزء من الدعم عن أسعار الديزل، على سبيل المثال لا الحصر، قامت بإصدار القرار بين ليلة وضحاها وجعلت الناس يصبحون على الأسعار الجديدة. ومن هذا المبدأ فإن الدولة تستطيع تطبيق أي سياسة مرورية ومنها على سبيل المثال: 1. إجبار الجهات الحكومية والخاصة بتوفير سيارات نقل جماعي لموظفيها وعمالها، وبهذا تضمن الجهات عدم خروج موظفيها خلال الدوام الرسمي. 2. إجبار المدارس على نقل الطلبة من وإلى المدارس بواسطة النقل العام. 3. توزيع دوام مختلف الفئات على اليوم، فالطلاب يختلفون عن موظفي القطاع العام، في حين القطاع الخاص يكون من الساعة 9 صباحاً حتى 5:30 مساءً. 4. تحديد العدد الأدنى من الركاب لتحرك الباصات الخاصة، وتطبيق مخالفات مرورية على المخالفين. 5. فرض رسوم على دخول السيارات بمناطق محددة في أوقات محددة، وهذا متبع في كثير من دول العالم ومن الممكن النظر في إلغائها عن المواطنين. طبعاً كل ما ذكرناه من حلول هو اجتهاد شخصي، وهو لا يغني عن القيام بدراسة متكاملة لحل المشكلة المرورية حلاً جذرياً.

وقبل الختام، نقول إن عدم وجود خطة مرورية كبد الدولة تكاليف باهظة في إنشاء شبكات الطرق والشوارع، وهناك خسائر أكيدة تتكبدها جهات العمل لتأخر موظفيها وعمالها، وتخلق ضغوطاً نفسية كبيرة على الأفراد، ولا ننسى ضياع كبير للمال العام المتمثل في أسعار الوقود المدعومة.

وفي الختام، نهنئكم بقدوم شهر الخيرات، وأسأل الله أن يتقبل صيامكم وقيامكم وأن يفرج همومكم وأن يرزقكم جنته بغير حساب ولنا لقاء بكم بعد رمضان إن شاء الله.

والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع