البلدية والقرار غير المنصف

 

البلدية والقرار غير المنصف

أعلنت وزارة البلدية والتخطيط العمراني عن قيامها بفرض غرامات على عمليات تقسيم العقارات السكنية ،بأية طريقة تتراوح ما بين 250 و500 ريال لكل متر مربع مخالف، وغرامة من 200 إلى 400 ريال لكل متر طولي مخالف إضافة إلى إزالة المخالفات. وأكدت الوزارة في إعلانها أن تقسيم الوحدات السكنية يعد مخالفة لقانون تنظيم المباني رقم 4 لسنة 1985 ،الذى يعاقب في مادته الأولى على إقامة أي أعمال أو تغيير معالم أى عقار بالمخالفة لأحكامه. إنني من المؤيدين لأن يقتصر استخدام الوحدة السكنية على عائلة واحدة فقط ،وذلك يرجع أساساً لدواعي الصحة والسلامة من جهة ،ولأنه يزيد التحميل على شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي من جهة أخرى، ولكن لماذا أجبر الناس على هذا النوع من السكن؟

لقد قمت بزيارة إحدى الفلل في فريق "أسلطة الجديدة"، ووجدت أن هذه الفيلا قد قسمت من الداخل إلى خمس وحدات سكنية، وكل واحدة منها خصصت لعائلة من العائلات. ومن جلوسي مع المستأجرين وجدت أنهم أجبروا على التأجير في هذه الفيلا، بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات للوحدات القائمة بذاتها، حتى إن أحدهم كان مستأجراً شقة سكنية في مجمع كبير جداً خارج الدوحة ،كان بأسعار معقولة ولكن هذه الأسعار- كما ذكر لي هذا الشخص- كانت لجر أرجل المستأجرين فقط ،لأنه بعد سنة بدأ المالك برفع الأسعار مما اضطر معه الكثيرون إلى مغادرة ذلك المجمع ،والبحث عن بديل مناسب. وانتقلت من هذه المنطقة إلى منطقة معيذر، ووجدت أن معظم سكان الفلل المقسمة هم من فئة العائلات الذين عانوا كثيرًا بسبب ارتفاع أسعار الشقق السكنية، وكانوا مجبرين على السكن في العقارات المقسمة. وأشار البعض ممن قابلتهم أن هدفهم ليس الربح المادي ،ولكن فقط لإيجاد سكن مناسب لهم ولأصدقائهم وزملائهم بأسعار مناسبة. ومن تجولي بهذه الفلل وجدت أنها تفتقر إلى أبسط سبل الأمن والسلامة ،فليس بها مخارج للطوارئ، علماً بأن غالبية التقسيمات الداخلية تمت باستخدام مواد قابلة للاشتعال ،وهذا يشكل خطورة على السكان لعدم مطابقتها للمعايير الفنية وإجراءات الأمن والسلامة. إن الوزارة- من وجهة نظري الخاصة- تتحمل المسؤولية الكاملة في انتشار ظاهرة تقسيم المنازل وتحويلها إلى وحدات سكنية ، ومن ثم تأجيرها للعائلات الوافدة. ففي البداية ولضرورات إعادة تخطيط مدينة الدوحة قامت الوزارة بإزالة أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان بدون إيجاد البديل المناسب لمن فقدوا مساكنهم، حتى إنهم لم يمنحوا الملاك أراض خارج المناطق المخططة لبناء وحدات سكنية إضافية ،الأمر الذي أدى إلى ارتفاع إيجار الوحدات السكنية محدودة العدد وصاحبه ارتفاع في أسعار الأراضي داخل الدوحة، وهذا بدوره جعل الوحدات السكنية المتاحة- بسبب أسعار الإيجار- غير متاحة لكثير من الوافدين الذين لا تتجاوز دخولهم عن 000ر10 ريال شهرياً. وفوق ذلك تقوم الوزارة- باجتهاد من مهندسيها- بمنع الترخيص لأي مبنى يعتقد أن تصميمه قد يؤدي إلى تقسيمه داخلياً، إن على الوزارة وللحفاظ على سلامة السكان، أن تقوم بالسماح بتقسيم المنازل والفلل، ولكن وفق اشتراطات معينة يلتزم بها الملاك ،وفي نفس الوقت تشكل الوزارة والدفاع المدني لجنة متخصصة للإشراف على طريقة التقسيم والتمديدات الكهربائية وعدد ومكان الشقق المقسمة، ومدى مطابقتها للمواصفات المطلوبة للسكن الآدمي.

إن ادعاء الوزارة أن المالك الذي يقوم بتقسيم الوحدة السكنية يعد مخالفاً لقوانين البلاد فهو ادعاء غير صحيح. إن المادة (1) من قانون رقم (4) لسنة 1985 بشأن تنظيم المباني، وحتى القانون رقم (8) لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 4 لسنة 1985 بشأن تنظيم المباني، والذي صدر بتاريخ 08/06/2014 واضحة، فهي تنص على أنه "لا يجوز تشييد بناء، أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تدعيمها أو هدمها أو صيانتها، أو تغيير معالم أي عقار بحفره أو ردمه أو تسويته، أو القيام بأي عمل من أعمال تمديد الخدمات أو توصيلها للمباني، أو صبغها، إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من البلدية المختصة".. إن المادة لم تنص على عدم جواز تقسيم العقار من الداخل ولا على عدد العائلات المستخدمة للعقار الواحد. إن المادة ركزت على التشييد والتوسعة وعدم تغيير ملامح العقار، وبهذا فكل اهتمام تلك المادة ينصب على الشكل الخارجي فقط، وليس لها علاقة بما في داخل العقار. حتى قائمة 28 مخالفة لرخص المباني، التي حددتها الوزارة، لا تنطبق على ما يسمى مخالفة تقسيم المباني من الداخل.

إن أكثر الجهات المتضررة من هذا القرار هم من أصحاب الدخل المحدود من الطبقة الوسطى من الوافدين. أما أكثر المستفيدين منه فهم أصحاب العقارات الفارغة ،الذين استغلوا هذا الأمر بزيادة أسعار الإيجارات (فور صدور التعميم ارتفعت الإيجارات بواقع 000ر1 ريال). ولا نعرف ما هو الداعي الذي جعل الوزارة تختار هذا التوقيت بالذات الذي تجتمع فيه أمور عديدة فأبناء الساكنين يقومون بأداء اختبارات نهاية العام ،والكثير منهم يستعد لقضاء إجازة الصيف خارج البلد ،وتأتي الوزارة في هذا الوضع وتفرض عليهم أموراً غير إنسانية، مثل الغرامات والطرد من السكن والمعاناة بالبحث عن سكن مناسب غير متوفر أصلاً.

وفي الختام نقول إنه حتى لا تتولد أزمة بدأت تلوح فى الأفق كان يجب على الوزارة 1. توفير البديل قبل نشر التنويه وتطبيقه. 2. التعاون مع الشركات العقارية الكبرى بإقامة مجمعات سكنية بأسعار مناسبة وثابتة لذوى الدخل المحدود من المواطنين والمقيمين.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع