وزارة العمل وتعديل عقد العمل

 

وزارة العمل وتعديل عقد العمل

ركزنا، في الأسبوع الماضي، على تصريح ممثل وزارة الداخلية عن قانون الكفالات الجديد (انظر الشرق 1/6/2014). وذكرنا أن ما صرح به ممثل وزارة الداخلية هي أمور لا ضرر منها، وتمارسها وزارة الداخلية في الوقت الراهن. ولكني أبديت تحفظي على إلغاء "عدم دخول العامل إلا بعد سنتين"، ومعارضتي الشديدة على "تأسيس لجنة عمالية تتلقى شكاوى العمالة في قطر وتدافع عن حقوقها". ومقالة اليوم ستركز، إن شاء الله، على عقد العمل الجديد من تصريح ممثل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

أولاً: مشروعية تعديل عقد العمل: يقول مدير إدارة علاقات العمل بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية: إن قانون العمل الحالي يفي بغرض تنظيم العلاقة بين صاحب العمل والعامل بشكل منتظم وفقاً للمعايير الدولية، ويتضمن عقوبات رادعة، والتزامات على صاحب العمل والعامل وواجباتهما. ويرجع المدير ليناقض نفسه بالقول: إن الإصلاحات التشريعية على عقد العمل تأتي لضمان تمتع جميع العمال الوافدين بمزايا تطبيق مبدأ العمل العادل. وهذا التناقض في التصريح يؤيد ما تدعيه المنظمات الدولية بأن وضع العمال في دولة قطر غير عادل. فبما أن القانون، كما صرح المدير، يفي فعندها يصبح تعديل القانون ليس له مشروعية، لأن التعديل في العادة لخلل، أو لنقص في القانون السابق.

ثانياً: نظام حماية الأجور: وهو أمر مطلوب لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه". ولكن في هذا يجب مراعاة عدم توقف أصحاب العمل (الحكومة والمتعهد الرئيسي والمتعهدون الثانويون) من الدفع عن الأعمال المنجزة، وفي نفس الوقت يجب أن تقلص الحكومة وشركاتها فترة الدفع بعد تقديم الفواتير لتصبح 15 يوماً بدلاً من 60 يوماً، لأن عملية دفع الأجور هي حلقة متصلة، ومتى انقطعت صار هناك خلل في الدفع، وعليه فلا تلوموا أصحاب العمل، وخاصة الصغار منهم، في أخطاء ترتكبها الحكومة أو غيرها.

ثالثاً: عدم تحديد مدة عقد العمل: ولا أعرف السبب في إيراد هذا الأمر في المؤتمر الصحفي الذي عقد حيث إن قانون العمل الحالي (قانون رقم (14) لسنة 2004) يذكر ذلك صراحة في المواد رقم (40) و(43) و(49). وأعتقد أن ذكره لم يأت سوى لأن يكون تمهيداً للبند رابعاً.

رابعاً: تعديل العقد لتسهيل انتقال العامل من مكان لآخر: وهنا تقع المشكلة الرئيسية. فغالبية العمالة تأتي لقطر دون سابق خبرة في مجال العمل المطلوب، ونجد صاحب العمل يتكبد الكثير للحصول على موافقة إدارة العمل على العدد المطلوب، ومن ثم يكابد الأمرين للحصول على العمال بالجنسية المناسبة من اللجنة الدائمة للاستقدام، وبعد ذلك تأتي المعاناة لحسن اختيارهم، ويخسر من الوقت شهوراً، ومن المال ألوفاً من الريالات، على تدريبهم وتجهيزهم، وأخيرا تأتي جهات أخرى، وغالبيتها من الشركات الحكومية، وتقوم بسرقة العامل عن طريق استمالته ببضع مئات من الريالات. والمشكلة الأخرى، والأكثر خطورة، أن هذا العامل يعرف التفاصيل الدقيقة لطريقة عمل صاحب العمل، وفي هذا خطر كبير في إفشاء أسرار العمل للغير، ما قد يكبد صاحب العمل السابق خسائر أكيدة. إن الحل الوحيد هو أن تصبح عملية انتقال العامل لجهة أخرى هو بإضافة شرط في عقد العمل بعدم مزاولة العامل لنفس المهنة إلا بعد سنتين، أو بموافقة صاحب العمل السابق، وإلا تعرض، العامل ومن يعمل لديه، للغرامة بنفس قيمة الضرر.

خامساً: إضافة بنود خاصة على عقد العمل: ذكر ممثل وزارة العمل أنه بإمكان صاحب العمل إضافة شروط أخرى إلى نموذج العقد، ولكنه عاد فقال إن كل الإضافات، أو الإجراءات، ستتم وفقاً للقانون، ولن تكون هناك عقود خارج القانون. وهذا يعني ببساطة أن صاحب العمل لن يستطيع إضافة أي بند بالعقد، ولن يستطيع عمل عقود خاصة ملزمة.

سادساً: تهديد مصالح المواطن: إن هذه الإصلاحات، كما يسمونها، ستهدد مصالح المواطن بشكل أكيد، ولن توفر أي ضمانات لصاحب العمل، بل قد تجر عليه بلاءات ومصاعب عديدة. فكل ما قيل عن ملامح العقد الجديد ستخلق ضرراً على المواطن، وفائدة للعامل الوافد. فسعادة وزير المالية يصرح بأنه يسعى لسياسة التعهيد (Outsourcing)، وهذه السياسة تعتمد على عدد من الموظفين، ولو انتقل أي موظف أو عامل، فهذا سيخل بالعقود، ما سيعرض أصحاب العمل إلى غرامات متنوعة ستجر عليهم خسائر أكيدة من عقود التعهيد.

سابعاً: أعمال السيادة والرقابة الخارجية: لقد صرح ممثل وزارة العمل بأن الوزارة ستقوم بتوقيع اتفاقية تعاون فني مع منظمة العمل الدولية هذا العام لزيادة الدعم الخاص بتنفيذ القانون.

إنه من المعيب أن يذكر ممثل الوزارة أن جهات أجنبية ستحاسب الدولة، وستحاسب مواطنيها، على تنفيذ قانون صدر من الدولة ومصدق عليه من أمير البلاد.

وفي هذا، وكما أراه، دعوة لإعادة الاستعمار، لأن تنفيذ القوانين هي أمور سيادية، تختلف عن تنفيذ البرامج والخطط التي تشارك بها الهيئات والمؤسسات الأجنبية.

وفي الختام نقول إنه لا يجوز تقديم أي تنازلات بسبب كأس العالم 2022، ولا يجوز هدر مصالح البلاد والعباد عن طريق تعديل قانون العمل الحالي، والذي، بحسب تصريحاتهم، ملائم لوضع البلاد. والعجب العجاب أن الوزارة، ودون استحياء ولا خجل، تدافع وبقوة عن العمالة الوافدة، وهي التي لم تتحرك للدفاع، ولو بكلمة واحدة، عن المواطنين من أهل الشؤون الاجتماعية الذين يعانون الأمرّين. لقد أصبح المواطن القطري بسببهم مثل "العومة مأكولة ومذمومة".

والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع