المال العام وأهل الشئون

 

المال العام وأهل الشئون

مرة من المرات، كتب أحد المغردين رداً على تغريدتي في تويتر، بأن الدولة مقصرة في حقوق بعض المواطنين، أمثال أهل الشئون الاجتماعية، بقوله: الدولة أعطتنا تأمينا صحيا ودواء ببلاش وتدفع عني الماء والكهرباء وغيره الكثير وفوق ذلك آخذ راتب.. بس علي بمصاريفي.. والحمد لله كوني قطريا. ونحن بدورنا نقول: الحمد لله أننا قطريون ننعم بما لا ينعم به كثير من خلق الله في الدول الأخرى. ولكن هذه العبارة جعلتني أفكر في المال العام ودوره لكافة فئات المجتمع.

ان انفاق المال العام، والذي يوصف بأنه مال المصالح العامة، يشمل الانفاق على مصالح المسلمين الدينية والدنيوية كبناء المساجد، والمدارس، وانشاء المطارات والموانيء والطرق، وبناء المصانع، ورواتب موظفي الدولة وغيرها مما يعود نفعها على المسلمين من أهل البلد. ولقد اتفق الفقهاء بأن المال تديره الدولة وهو حق خالص لمسلمي الدولة، ويصرف في مصالح الشعب فقط. أما ولي الأمر حين يتصرف في المال العام فانه لا يتصرف فيه بالأصالة، وانما بالنيابة، أو بالوكالة، وذلك تأكيداً لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "ما أعطيكم، ولا أمنعكم، أنا قاسم، أضع حيث أمرت وفي لفظ: ان أنا الا خازن". ويدل الحديث على عدم ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم المال العام بنفيه ملك اعطاء أحد، أو منعه، وأن وظيفته فيه الحفظ والقسم. وقال ابن تيمية "وليس لولاة الأمور أن يقسموها بحسب أهوائهم، كما يقسم المالك ملكه، فانما هم أمناء ونواب.. ليسوا ملاكاً". وقال الشوكاني "بيت المال هو بيت مال المسلمين، وهم المستحقون له". وذهب السرخسي الى أنه "لا شيء لأهل الذمة في بيت المال (ما عدا عن الأعمال المؤداة).. لأنه مال المسلمين، فلا يصرف الى غيرهم".

وبعد أن عرفنا أن المال العام مال المسلمين في الدولة نأتي الى صلب موضوع هذه المقالة وهو قول محمد بن عجلان "لما دوّن لنا عمر الدواوين (الدَّفتَرُ يكتب فيه أَسماء أَهل الرواتب والعطاءات) قال: بمن نبدأ؟ قالوا: بنفسك فابدأ، قال: لا، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امامنا، فبرهطه نبدأ، ثم بالأقرب، فالأقرب". ومن هذا الأثر يتضح لنا أن ولي الأمر يجب عليه الاجتهاد ومشاورة أهل العلم والرأي من المسلمين في حفظ واستثمار المال العام وانفاقه في مصلحة المسلمين من أهل البلد، والأخذ بالراجح، وتقديم الأهم، واجتناب كل ما يؤدي الى اضاعة المال، أو حرمان المستحقين من حقوقهم فيه، أو ايثار شخص أو طائفة به. وقياساً على ذلك فان الصرف من المال العام هو تقديم الأحوج فالأحوج، فان تساووا في الحاجة قدم الأقرب، لأن النفقة على ذي القرابة نفقة وصلة.

انه من المعروف أن شعب قطر، والحمد لله، في عيش رغيد وسعة. ولكن يجب ألا ننسى أن هناك فئة من المواطنين، أقل ما يقال عنهم، أنهم يعيشون مرحلة الكفاف أو أقل من ذلك. ولأن معظم القطريين يتخلقون بالخلق الاسلامي القويم فان غالبية المواطنين الآخرين لا يشعرون بما تكابده هذه الفئة من الشعب لأنهم لا يبدون ما يعانون به لغيرهم مصداقاً لقوله تعالى ".. يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ اِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَاِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ" البقرة: 273. وبهذا فان ولي الأمر ملزم بالصرف من المال العام في اعطاء أهل الحاجات حاجاتهم، ويأتي على رأس القائمة الذين هم على قوائم وزارة العمل والشئون الاجتماعية من أهل الشئون. انه من المعروف أن الزكاة في الركاز (ما يخرج من الأرض مثل الذهب والبترول) هي الخمس. ولكن وجوب الخمس فيه اذا كان يملكه أفراد أو شركات. أما اذا كان ملك الدولة فهو، بالاجماع، لا زكاة فيه، ولكن لا بد من صرفه كله في مصالح المسلمين المنصوص عليها في مصارف الفيء المحددة في قولة تعالى "مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ اِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" الحشر: 7. وفي هذا يحذرنا ربنا من استيلاء الأغنياء على أموال الفيء وتداولها بينهم ونسيان حصص الآخرين الذين خصص لهم الفيء كما ذكر بالآية الكريمة.

ان أوراق جريدة الشرق، لو كانت تنطق، لسمعنا أنينها مما كتبته شخصياً وكتبه غيري في موضوع أهل الشئون المغضوب عليهم. ولسمعناها تطلب السماح من "ذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ" من أهل البلد وتتبرأ أمام الله من أفعال بعض من أغناهم الله من فضله من المسئولين أصحاب البشوت وغيرهم ممن نزع رب العالمين من قلوبهم الرحمة وجعلها غليظة غير مكترثة بالمستصرخين ولا تعطف على المتألمين ولا تلين للمتوجعين. قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "لا تُنْزَع الرحمة الاَّ مِن قلب شَقي" وقال أيضاً "لاَ يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ" وقال "حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ"

وفي الختام نقول ان بعض السلف قال "اذا ذهب الفقر الى بلد قال له الكفر خذني معك". والكفر هنا ليس الكفر بالدين والعياذ بالله ولكنه الكفر بكل شيء. نسأل الله لأهل الشئون الجنة لأنهم قانعون بما رزقهم الله وصابرون على ابتلاء رب العالمين لهم.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع