والله العظيم.. قطر تستحق الأفضل

 

والله العظيم.. قطر تستحق الأفضل

عندما استلم معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية مهامه ركز على انشاء لجان تقصي حقائق، وليس لجان تحقيق، بهدف الوصول الى أساس المشكلة، ومعالجتها. وعندما نشرت لجنة تقصي حقائق غرق أنفاق طريق سلوى تقريرها كنت أتوقع أن تذكر اللجنة أن كمية الأمطار التي هطلت على البلاد كانت أكبر من قدرة خزان مسيمير وأنهم يقترحون توسعة الخزان لحين اكتمال شبكة تصريف الأمطار المتوقع انهاؤها عام 2019. لكني تفاجأت بان هذه اللجنة تحولت الى لجنة تحقيق وقامت بالمطالبة بمحاسبة جهات معينة بهيئة أشغال لأمر خارج عن سلطتهم وتوقعاتهم.

وفى نفس اليوم الذى نشرت فيه مقالتى "الحقائق ولجنة تقصى الحقائق"، قامت لجنة تقصى حقائق انتشار رائحة الغاز فى قطر بنشر تقريرها (لقراءة التقرير كاملاً.. انظر الشرق 4/5/2014) أكدت فيه عدم وجود أى تسرب، أو اضرار بالصحة، أما الذى انتشر يوم الجمعة، بتاريخ 21 مارس 2014، هو "أشبه" ما يكون برائحة غاز (أول مرة أسمع عن مصطلح "أشبه" بغاز). انه من المعيب أن تكذب علينا اللجنة وتصف غازات ثانى أوكسيد الكبريت والأوكتان أنهما "شبه" غازات كأننا شعب "مدمغ" لا يعرف شيئاً. والذى يقرأ التقرير، وهو ملم بالصناعات الهايدروكربونية، يعرف أن اللجنة قامت بالتدليس، وأنها اعترفت ضمنياً بالمسببات، ولكنها ابتعدت عن الاشارة المباشرة لأساس المشكلة. فقد ذكر التقرير أن هناك ارتفاعاً فى تركيز نسبة بعض ملوثات الهواء. وذكروا أن السبب هو أعمال الصيانة الدورية، وفصل بعض الوحدات. وبربط هذه الحقائق، التى وردت بتقريرهم مع بعضها البعض، يتضح أن السبب لانتشار الغازات فى ذلك اليوم هو، حسب وجهة نظري، خطأ بشري، حيث قاموا، لأعمال الصيانة، بحفر المنطقة المحيطة بالمصانع، وخرجت غازات من الأرض من فعل بكتيريا تتغذى على البتروكيماويات بعضها سام وبعضها رائحته كريهة، مما سبب تركيز نسبة ملوثات الهواء، ولمعالجتها قاموا بضخ عدد من الغازات. ولأن المعالجة تمت بدون تحكم، فقد انتشرت غازات ثانى أوكسيد الكبريت والأوكتان وغيرهما فى الغلاف الجوي. والعجيب أن اللجنة تتهم ظروف الطقس بانتشار رائحة الغاز، ونقول لهم خاطبوا العاقل بما يعقل، فلو لم تكن هناك غازات منتشرة بالجو ورياح قوية نسبياً لما وصلت رائحة الغاز الى منطقة الدوحة الصناعية. أما قولهم بأن الغازات ليس لها تأثير على الصحة العامة ولم تتجاوز نسب السلامة وفق المعايير الوطنية، فنقول للجنة، التى لا يوجد بها أى ممثل عن المجلس الأعلى للصحة، بأن الغازات المذكورة خطيرة وسامة، فأثر غاز ثانى أكسيد الكبريت على الانسان يتمثل بضيق فى التنفس، والسعال الجاف، والألم الصدرى، والتهاب القصبة الهوائية، والتصلب الرئوى. أما غاز الأوكتان فانه يؤثر على الجلد، والعينين، والرئة، ويسبب صداعا ودورانا، وقد تصل آثاره على عمل الكلية البشرية. وفى نهاية تقريرهم، وامعاناً فى التدليس، أشادت اللجنة بالجمهور وتعاونه مع الجهات المعنية من خلال الاستفسار عن هذه الروائح، وأرجعت ذلك الى مستوى الوعى الكبير لدى الجمهور، ولم يدر بخلدهم أن الجمهور لم يتصل الا بعد أن اختنق بالغازات الضارة التى كادت أن تقضى عليه. ان اللجنة، وللأسف، تعاملت معنا، مواطنين ومقيمين، كمجموعة من الأغبياء الذين لا يفهمون.

وفى نفس الأسبوع، نشرت الصحف القطرية، بأن وزارة البلدية والتخطيط العمراني، بناءً على نتائج المختبر المركزى التابع للمجلس الأعلى للصحة، سحبت عصير فواكه من الأسواق لمخالفته قانون الأغذية. وعملية السحب عملية خطيرة لأن هذا يعنى أن جزءاً من المواطنين والمقيمين قاموا باستهلاكه قبل سحبه مما قد يسبب لهم الضرر. والمعنى الآخر أن هيئة المواصفات والتقييس قد فشلت فشلاً ذريعاً فى منع مادة ضارة من الدخول الى البلد قبل فحصها، والتأكد من سلامتها (لمعرفة مهام الهيئة راجع القرار الأميرى رقم (44) لسنة 2014 بانشاء الهيئة العامة القطرية للمواصفات والتقييس).

ولنسأل المسئولين: لماذا تطلبون محاسبة جهة من الجهات قامت بعملها على خير وجه وما حدث كان قضاءً وقدراً، فى حين تقومون بالتستر على جهات أخرى كل المؤشرات تبين بوضوح أن الأخطاء التى ارتكبت هى أخطاء بشرية؟.. ان قطر، والله العظيم، تستحق الأفضل.. فولي أمرها ورئيس وزرائها يقومان بمجهود جبار من العمل الدؤوب وهما يريدان الأفضل لكل من يعيش فى قطر، ولكنهما لا يستطيعان اتخاذ القرار الصحيح والمناسب الا عندما تتوافر لهما المعلومة الصحيحة. ان الجهات المسئولة، وبأسلوبهم فى قلب الحقائق، لا تساهم فى الوصول الى حل المشكلة بل تقوم بتعقيدها أكثر، مما ينتج عنه تخلف قطر عن ركب الحضارة المتسارع. وفى هذا فانى لا ألوم رؤساء اللجان ولكنى ألوم الفنيين من أعضاء اللجان وممن استعانت بهم تلك اللجان. ان الحل الوحيد أمام رئيس مجلس الوزراء، للوصول الى الحقيقة، هو انشاء لجان تقصى حقائق من وزارة الداخلية، التى تملك كل أدوات التحقق اللازمة، وليس من الجهات صاحبة العلاقة. وفى نفس الوقت معالجة المشكلات البيئية بهدوء مع عدم نشر تقاريرها لمنع الهلع والخوف بين الناس.

وفى الختام، وبعد نشر لجنة الغاز تقريرها، وسحب العصير من الأسواق، نتقدم للحكومة القطرية بطلب جاد وصادق وهو أن تقوم بتوسيع مستشفى الأمل لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المرضى المحتملين، وفى نفس الوقت القيام بانشاء مراكز أكثر لغسل الكلى، لأن هذا هو مصيرنا اذا استمرت الجهات بالكذب وعدم تنفيذ المهام المطلوبة على خير وجه.

والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع