حوادث المرور والوفيات

 

حوادث المرور والوفيات

ذكرنا في مقالة سابقة (انظر الشرق 30/3/2014) أنه لا يكاد يمر أسبوع إلا ونذهب لتعزية أحد الأصدقاء أو أكثر في وفاة أحد أفراد أسرته بسبب حادث مروري، وذكرنا أن المشكلة في أساسها تتركز في أسلوب تطبيق القوانين المرورية وبخاصة الأمور المتعلقة: 1. تجاوز حدود السرعة القانونية. 2. تجاوز الإشارة الحمراء. 3. عدم ربط حزام الأمان. ولقد بينا أن مستعملي الطرق والمراقبين ليس لديهم مبدأ احترام القانون أو روح المواطنة ولو كانت هذه موجودة لما حدث ما يحدث.

وبالصدفة جمعتني الظروف مع أحد الإخوة القطريين الذي كان قادماً من تعزية عائلة قطرية فقدت أحد أفرادها في حادث مروري فقلت له: من وين جاءت المشكلة؟ فقال لي: إنه من الغريب أن نجد من نسميهم بالشباب المتهورين يتصفون بالأدب المطلق والاحترام الكبير لقوانين المرور في الدول الأخرى التي يقصدونها سواء للعمل أو الدراسة أو السياحة. في حين أن نفس هؤلاء الشباب عندما يعودون لأرض الوطن لا يحترمون قوانين المرور ولا أخلاقيات استخدام الطريق. وهذا في حد ذاته يعطي انطباعا أن المسألة ليست نقصا في التربية ولا الثقافة المرورية بل هي عدم وجود حسيب أو رقيب في الطرق والشوارع وعدم تواجد رجال المرور في الميدان وجهاً لوجه مع المخالفين المتعمدين من الشباب. وأضاف المواطن: إن عدم وجود دوريات لشرطة المرور في الطرق والشوارع بشكل منتظم لضبط نظام السير ولتوعية الناس بنوعية المخالفة والقيام بتحرير المخالفة للسائق المخالف، وليس للسيارة، شجع على تفشي ظاهرة الاستهتار لدى الشباب ولا تنس أن الأهل يشجعون ابنهم على التمادي بهذا الأمر عن طريق شرائهم السيارات "الطائرة" ودفع المخالفات عنهم.

وبعد أن تمعنت في كلامه وجدت فعلاً أن أكبر نكتة ترتكبها إدارة المرور هي مخالفة السيارة وليس الشخص المخالف، ورب العالمين قال "أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{38}وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى{39} سورة النجم. وبهذا فإن الوزر على الإنسان نفسه المخالف الذي سعى للمخالفة. وبسبب هذا الإجراء العقيم فإن المخالف: 1. لا يشعر أنه ارتكب جرماً أو إثماً لأن المخالفة ليست مباشرة بل عن طريق الأجهزة الإليكترونية. 2. لا تسجل عليه نقاط سوداء جراء المخالفة لأنها تسجل على صاحب السيارة وليس عليه شخصياً. 3. ولو حسبت عليه نقاط فإنه لا يهتم بها لوجود مجموعة من البشر على استعداد لتحمل النقاط التي على السيارة والمطلوب من صاحب السيارة فقط الدفع لهم على حسب النقاط. 4. لا يشعر بحرقة المخالفة لأنه لن يدفعها إلا بعد شهور عديدة وذلك عند تجديد استمارة السيارة وتكون المخالفة قد بردت حرارتها. 5. والأخطر من ذلك هو كيف يتحدد المخالف وهناك أكثر من مستخدم للسيارة.

وقمت بزيارة لإدارة المرور بمدينة خليفة الجنوبية للبحث عن جواب للسؤال الذي خطر ببالي: هل إدارة المرور مقصرة؟ وكانت عندي 3 معاملات مختلفة (تجديد رخصة وتجديد استمارة واستخراج رخصة موقف لذوي الاحتياجات الخاصة) وللحق أقول إن فترة دخولي للمواقف لإيقاف السيارة ومن ثم الصعود للدور الأرضي كان أطول زمناً من إنهاء المعاملات الثلاث. وفي هذا دليل على أن الإدارة تتبع أسلوباً ممتازاً في استلام وإنهاء المعاملات وأن الموظفين العسكريين والمدنيين على درجة عالية من التأهيل والكفاءة. وتوجهت لمكتب أخي العميد محمد بن سعد الخرجي مدير إدارة المرور لأسأله سؤلاً محدداً: هل استمرار الوفيات على الطرق هو دليل فشل الإدارة في إدارة المرور في قطر؟ فكان جوابه كالتالي: شخصياً أتمنى أن تصل أعداد الوفيات والإصابات في قطر إلى الرقم صفر. ومع ذلك فإن قطر تحتل الآن المرتبة الأولى عربياً من حيث انخفاض أعداد وفيات الحوادث المرورية مقارنة بأعداد المركبات والسكان بها. فلو تتبعنا الإحصائيات لوجدنا أنه في عام 2006 كانت 270 وفاة أما في 2008 فقد انخفضت إلى 230 وانخفضت مرة أخرى في عام 2012 لتصل إلى 204 حالات وفاة فقط. ولا تنس أن هذا الانخفاض حدث بالرغم من الزيادة السنوية الكبيرة في عدد المركبات والسائقين.

ومن تفاعل الجمهور ومن مشاهداتي الخاصة يتضح: 1. أنه لا توجد دوريات مرور على الطرق السريعة والشوارع الرئيسية. 2. مخالفة السيارات الواقفة هو أكثر تفاعل للمرور وبخاصة في مستشفى حمد ومنطقة الأبراج في حين أن السيارات المتحركة وبسرعة كبيرة هي خارج الاهتمام. 3. الاهتمام الكبير على الإنجاز المكتبي في حين أن التواجد الميداني لا يعطى نفس الاهتمام. 4. تواجد كبير لأفراد وسيارات الفزعة الذين يتركز عملهم في بسط الأمن العام ولكن ليس لهم علاقة بمساءلة المخالفين. 5. تواجد كبير لأفراد وسيارات الأمن الداخلي الذين يتركز عملهم على إفراغ اتجاه شارع معين من السيارات دون محاسبة من يخالف المرور. 6. مدارس تعليم السياقة لا تعطي أهمية في تدريب السائقين على كيفية استعمال الطرق السريعة التي لها أسلوب وقواعد تختلف عن الشوارع الداخلية ولهذا نجد غالبية السائقين يتمسكون بيسار الشارع وبسرعة بطيئة متسببين باضطراب حركة السير.

وفي الختام نقول إنه لا توجد عائلة قطرية لم يلحق بها الضرر المادي أو النفسي وحتى الوفاة جراء حوادث المرور ولابد من تدعيم إدارة المرور بعدد من الأفراد للعمل الميداني يتناسب مع الزيادة السكانية وزيادة أعداد المركبات ولكن قبل نزولهم للشارع يجب إعطاؤهم دورات مكثفة في كيفية التعامل الإنساني مع المخالفين ومع الحوادث والحركة المرورية.

والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع