الأمطار ودعاء الاستصحاء

 

الأمطار ودعاء الاستصحاء

هطلت على قطر، في نهاية شهر مارس 2014، أمطار غزيرة لم تكن في الحسبان مما خلق مشاكل كثيرة وبخاصة في أنفاق طريق أبو سمرة مما تسبب في رفع منسوب المياه في هذه الأنفاق والتي بدورها تسببت في غرق عشرات السيارات. وفي يوم 27/3/2014 قام معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية باصدار توجيهات لتشكيل لجنة عاجلة برئاسة سعادة الشيخ عبدالرحمن بن خليفة آل ثاني، وزير البلدية والتخطيط العمراني، وعضوية عدد من الخبراء والمهندسين لتقصي الحقائق حول مشكلة تجمع مياه الأمطار في أنفاق طريق سلوى. وذكر الخبر بأن اللجنة ستقوم بدراسة الأسباب الحقيقية وراء هذه الأزمة وجمع الأدلة ورصد كافة المعلومات المتعلقة بغرق الأنفاق، ومن ثم اتخاذ الاجراءات اللازمة ضد الأشخاص المقصرين ومحاسبتهم، ووضع الأنظمة والآليات الكفيلة بعدم تكرار هذه المشكلة مستقبلا. وسنناقش في هذا عدة نقاط:

أولاً: سرعة استجابة معالي رئيس مجلس الوزراء: وهذا ما عهدناه من معاليه سرعة التفاعل مع كل حدث يؤثر في البلاد والعباد ونقول لمعاليه جزاك الله كل خير وبيض الله وجهك في الدنيا والآخرة

ثانياً: تشكيل لجنة تقصي الحقائق: وفي كل أمر جلل لابد من معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت الى هذا الأمر وطرق علاجها وعدم الوقوع فيها مرة أخرى. ولكني أرى أن هذه اللجنة "غير محايدة" وسيكون همها، حسب وجهة نظري، طمس الحقائق والخروج بنتائج بعيدة عن الواقع لحماية بعض الجهات أو بعض الأسماء. ومع احترامي الشديد للأخ العزيز سعادة الشيخ عبدالرحمن بن خليفة آل ثاني الا أنه يرأس الجهتين اللتين لهما علاقة وثيقة بالمشكلة بصفته وزيراً لوزارة البلدية والتخطيط العمراني التي خططت وفي نفس الوقت رئيساً لمجلس ادارة الهيئة العامة للأشغال التي نفذت. انه من المهم تشكيل لجنة "محايدة" بكل معنى الكلمة يكون رئيسها وأعضاؤها وخبراؤها واستشارييها غير منتسبين لوزارة البلدية والتخطيط العمراني أو هيئة الأشغال لضمان نزاهتها في الوصول للأسباب الحقيقية لاقناع الرأي العام بها. وغير ذلك فان النتائج ستكون ".. بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى.." كل متسبب بهذا الأمر.

ثالثاً: عمل لجنة تقصي الحقائق: الموضوع في أساسه لا يحتاج تقصي حقائق فالحقائق يستطيع رؤيتها وقراءتها أي شخص من خلال تغريدات الهيئة العامة للأشغال ومما أكدت عليه في وسائل الاعلام المختلفة. فالمتسبب، حسب ما وصل لنا من معلومات، معروف والسبب الرئيسي لما حدث يرجع أساساً لعدم التنسيق بين الأجهزة الحكومية صاحبة العلاقة.

رابعاً: اتخاذ الاجراءات اللازمة ضد الأشخاص المقصرين ومحاسبتهم: ونتمنى أن يتم ذلك سريعاً وهذا ما طالبت به في مقالة سابقة (انظر الشرق 26/1/2014) لأن السكوت عن المقصر يعتبر في حد ذاته خيانة للدولة والمجتمع ولكن يجب ألا نلقي اللوم على المقاول، حتى لا نغطي على المتسبب الرئيسي، لأن المقاول لديه فترة تنفيذ محددة وليست مفتوحة لينتظر الجهات الحكومية المتخاصمة حتى يحلوا مشكلتهم. أما اذا ثبت أن المقاول، حسب بعض الروايات، هو المتسبب فانه يجب استدعاؤه ومناقشته عن أسباب المشكلة أمام النيابة العامة ويتم سحب المشاريع القائمة منه واستبعاده والتشهير به.

خامساً: عدم تكرار هذه المشكلة مستقبلا: لأن المشكلة، وكما صرحت أشغال، مرتبطة بشبكة تصريف الأمطار غير المكتملة والمتوقع انهاؤها، على حد زعمهم، العام القادم. ولكن بالتتبع في وسائل الاعلام نجد الأمر على خلاف ذلك، حيث أكدت أشغال بأنه من المتوقع أن يتم تنفيذ مصب بطول 10 كيلومترات في عمق البحر في الربع الثاني من عام 2019 أما ربط مناطق شمال غرب مدينة الدوحة مع مصب الكورنيش سيتم انهاؤها منتصف عام 2017. وعلى هذا فسيتكرر ارتفاع منسوب المياه وستغرق أنفاق سلوى العام القادم لحين اكتمال شبكة أبو هامور. ولهذا فانني أقول لمعاليه وللشعب القطري ما لنا سوى الابتهال الى الله بدعاء الاستصحاء وهو ما يعرف بدعاء ايقاف المطر وانكشاف السحاب، مع أنه لا ينبغي الدعاء به لأن المطر رحمةٌ، ".. اللهم سُقْيَا رحمةٍ لا سقيِا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق. اللهم حوالينا ولا علينا.."

سادساً: معلومة يحاولون سترها: ان شبكة تصريف مياه الأمطار لن تتم السنة القادمة، كما وعدت أشغال، لأن الخلاف ليس بسبب قيمة المشروع ولا بسبب اجراءات المناقصة بل السبب ينبع من الخلاف بين البلدية وأشغال من جهة ووزارة البيئة من جهة أخرى. حيث يصر القائمون على المشروع بتوصيل الشبكة مع مصب الكورنيش لشمال الدوحة ولمسافة 10 كم في عمق البحر للمناطق الأخرى في حين أن وزارة البيئة تصر على أن تكون نهاية الشبكة في المياه العميقة (حوالي 20 كم بعيداً عن الساحل) مع الغاء مصب الكورنيش وذلك حفاظاً على البيئة ومنعاً لتلوث المناطق الساحلية من هذه المياه التي ستحمل أنواعا كثيرة من المخلفات والمواد الكيماوية والعضوية من شوارع المدن ومن المياه السطحية. ولهذا لن تحل مشكلة مياه الأمطار الا باتفاق تلك الجهات.

وفي الختام ومع أني كونت نتائجي بالمسببات ولكني لن أثيرها لأني لا أريد أن استبق نتائج اللجنة "المحايدة" في توجيه الاتهام الى أحد. ولكني وبعد أن زرت مصب الكورنيش وشاهدت ما خلف من آثار مدمرة على البيئة أصبحت أكثر اقتناعاً بموقف وزارة البيئة بالغاء مصب الكورنيش والابتعاد عن السواحل بمسافة كبيرة لا تقل عن 20 كم (أدعو الجميع بتخصيص وقت لزيارة مصب الكورنيش لمشاهدة آثار الدمار المقصود)

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع