الوطنية الاقتصادية

 

  • د.محمد بن علي الكبيسي

الوطنية الاقتصادية

كثير من تعاليم الإسلام نقرأها ونفهمها ولكن لا نعمل بها، ومن أمثلة ذلك قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص"، وكذلك قوله "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد".. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "حياة بني آدم وعيشهم في الدنيا لا يتم إلا بمعاونة بعضهم لبعض في الأقوال، أخبارها وغير أخبارها، وفي الأعمال أيضا". إن الله خلق الإنسان وجعله في حاجة إلى أن يتعاون مع غيره، فلا تقوم حياة الناس إلا بتعاونهم فيما بينهم.وهذا الأمر هو الذي دعاني لأن أختار مسمى "الوطنية الاقتصادية". إن الوطنية الاقتصادية هو مصطلح جديد ندعو أن يستخدم للدلالة على المواقف الإيجابية للأفراد والشركات التجارية والمؤسسات الحكومية المؤيدة بقوة لدعم الاقتصاد الوطني قولاً وفعلاً، وذلك من خلال دعم المواطن فرداً كان أم شركة وطنية. وهو يشير إلى الارتباط الوثيق بالوطن والانتماء إليه والفخر والاعتزاز بأي دعم اقتصادي يقدم لكل منتمي هذا الوطن، فالوطني الاقتصادي هو من يحرص على خدمة الوطن ويشعر بالفخر والاعتزاز من خلال دعم المبادرين الوطنيين. فالوطنية الاقتصادية هي حس وواجب وطني يجب أن يتمتع به كل مسؤول قطري، فواجب المسؤول هو دعم المبادرات والمشاريع الوطنية لا التعقيد والعرقلة بكافة أشكالها والابتزاز.

إن الذي دعاني للكتابة حول هذا المصطلح الجديد، والذي نريده شعاراً لنا في المرحلة القادمة من البناء والتقدم، هو موقف كل من أخي سعادة الفاضل حسين بن إبراهيم الفردان، نائب رئيس مجلس إدارة البنك التجاري، والعضو المنتدب، ورئيس مجلس إدارة مجموعة الفردان، وموقف أخي سعادة السيد عبدالله بن عبدالعزيز السبيعي، الرئيس التنفيذي لمجموعة بروة العقارية، ورئيس اللجنة التنفيذية لشركة سكك الحديد القطرية، اللذين، وعن تجربة شخصية، يوازنان بين تعظيم الربحية لصالح مساهمي الشركات التي يقودانها، وبين دعم وتعظيم ربحية الشركات الوطنية الأخرى. فهما يعتبران تجربة تستحق الدراسة والتعميم.

إن حسين الفردان لا يتوانى في تقديم المشورة لأي جهة تطلب منه ذلك، سواء كان فرداً أم شركة وطنية. فهو يقوم بما لديه من خبرة، وبشكل مجاني، بتقليص نسبة المجازفة في تلك المبادرة حتى تكون في الحدود المعقولة، ثم يقود المبادرة إلى تحقيق آماله وطموحه، والذي في نهاية الأمر، سيعود للحصول على من المنتجات التي يديرها الفردان. أما عبدالله السبيعي فقد أوجد نوعاً من المفاهيم الجديدة، وهو أنه يجب على الجميع رعاية الشركات القطرية، وتشجيعها، ودعمها. فالمواطن والوطن هو الهدف سواءً كان مساهماً في مجموعة بروة أم لم يكن. إن توجهه يهدف إلى إتاحة الفرصة للمبادر لتنفيذ فكرته، مما سيؤدي إلى تحسن حالة المبادر، الذي بدوره سيحتاج أكثر للمنتجات التي يديرها السبيعي. وبهذا نجد أن كليهما قد حققا التنمية لشركاتهما وحققا، في الوقت نفسه، مشاركة الجميع في تنمية قطر وتطويرها.

إن تجارب الأصدقاء كثيرة وما يصل إلى مسامعنا يصيبنا بالذهول والإحباط، فذلك مسؤول يساوم أحد المبادرين بأن يقوم بإدخال شركاء من طرفه لكي يوافق على طلبه، وآخر يساوم بأن تكون الجهة التي يمثلها شريك بنسبة مرتفعة لكي يوصي بتمرير المشروع، ومسؤول آخر يجيب بأن البلد لا تتحمل أكثر من مشروع من نوع واحد، وآخر يأخذ الفكرة والدراسات ثم يقول بأن الفكرة جيدة لكن لا بد من طرحها كمزايدة عامة حتى لا يقال عنا كذا وكذا، وغيرهم للأسف الكثير. وقد قمت شخصياً، على سبيل المثال لا الحصر، بتقديم مشروعاً مبتكراً لجهة حكومية، يرفع عنها ضغط العمل اليومي، ويخفض جميع مصاريفها، ولا تتحمل رواتب كثير من موظفيها، ويزيد من تعيين العمالة القطرية، وفي الوقت نفسه لا ينقص شيئاً من الرسوم التي يحصلون عليها من جراء نشاطهم، ومع ذلك يريدون نسبة كبيرة من أرباح الشركات التي ستزاول العمل المقترح.

لقد أصبحت المبادرات الجديدة التي تحتاج إلى تراخيص، أو دعم من جهات رسمية، تحتاج إلى اسم كبير لكي تمرر، ويقوم أصحاب الأسماء الكبيرة بالاختيار والمساومة، ولابد أن يخضع المواطن لكافة شروطهم لكي تقبل مبادرته أو مشروعه.

إن قناعتنا وثقتنا بولي أمرنا، وبحكومتنا الرشيدة، شجعتنا أن نطرح الأفكار، التي نأمل أن تلقى القبول، لحل هذه المشكلة، وهي بإنشاء مكتب تابع لمعالي رئيس مجلس الوزراء. ويختص هذا المكتب بتلقي المبادرات الوطنية، ومناقشتها، وتبني الجيد منها، لكي لا يكون صاحب المبادرة عرضه للابتزاز والمساومة من قبل الآخرين، بهدف تحقيق الشراكة الحقيقية التي تقود بلا شك إلى تحقيق مفهوم "الأمة المؤتلفة" التي يعمل فيها الجميع كفريق عمل واحد يردف ويرفد بعضه بعضاً. إن هذا المكتب سوف يسهم بلا شك في: 1. تعزيز مفهوم الوطنية الاقتصادية. 2. إثراء الاقتصاد الوطني بمبادرات وأفكار جديدة. 3. تشجيع المبادر في طرح مبادرته لجهة آمنة دون خوف أو تردد. 4. ضمان عدم ابتزاز ومساومة صاحب المبادرة. 5. ترجمة مبادراتهم، في إطار استراتيجية الدولة، إلى حيز العمل. 6. تعزيز الشراكة الاقتصادية بين القطاع العام والقطاع الخاص.

وفي الختام نقول إن الدولة الواعية هي التي تملك رؤية متكاملة، وتقدم الأدوات المناسبة لإنارة طريق المستقبل لكافة المواطنين، ويستطيع أي مبادر التقدم للأمام بعيداً عن كافة أشكال الاستغلال والابتزاز والمساومة. ونقول لكل من حسين الفردان وعبدالله السبيعي ولغيرهما ممن هم على شاكلتهما.. شكراً على هذا التوجه الإيجابي وأكثر الله من أمثالكم.

والله من وراء القصد،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع