المرور والمرونة غير المطلوبة

 

المرور والمرونة غير المطلوبة

تعودنا أن تطالعنا الصحف بمثل هذه العناوين "توفي 3 أشخاص وأصيب 5 آخرون إصابات بالغة في حادث مروري عصر أمس بطريق الشمال" و"سباق عكس السير بين 3 شاحنات يتسبب في حادث مروع بقطر" و"حادث مروري في طريق الشمال بسبب السرعة الزائدة" وآخر العناوين بتاريخ 28/2/2014 "وقع حادث خشن اليوم الجمعة على الطريق المؤدية إلى منطقة سيلين". وكأننا، رغم اننا في بلد الأمن والأمان، نعيش حربا لا هوادة فيها تقتل سنوياً أكثر من 200 شخص، وتخلف الكثير من المآسي الأسرية والاجتماعية، فضلا عن التكاليف المالية والاقتصادية. ولا يكاد يمر أسبوع إلا ونذهب لتعزية أحد الأصدقاء أو أكثر في وفاة أحد أفراد أسرته بسبب حادث مروري. والذي دعاني للكتابة حول الموضوع حادثتان: الأولى كانت لأسرة تسير أمامي بشكل قانوني وفجأة أتت سيارتان من نوع كروزر في سباق مع بعضهما البعض، إحداهما انحرفت على سيارة الأسرة التي انحرفت بدورها لتفادى التصادم مما أفقد سائقها القدرة على السيطرة عليها وأدى إلى انقلابها في حين واصلت سيارتا السباق سباقهما كأن لم يحدث أي شيء أما الأسرة فبدلاً من الذهاب للبيت بعد يوم حافل بالمرح فقد انتقلت للمستشفى. أما الحادثة الثانية فقد كادت أن تنقلني من دار الأحياء إلى العالم الآخر "اسم الله علي" لأن شاحنة مزودة "بكرين" كانت تسير الهوينا ليلاً على طريق الشمال بدون إنارة خلفية وبدون أي ملصقات وكان لونها بلون الشارع ولولا لطف الله وعنايته لدخلت سيارتي تحت تلك الشاحنة.

دولة قطر لم تقصر في شيء فالطرق حديثة وعلى أعلى المواصفات العالمية، وقامت، ولا تزال، بالعديد من حملات التوعية المرورية المكثفة لكافة الأعمار ولكافة أفراد المجتمع، وفرضت قوانين مرورية صارمة، ووزعت الرادارات بالمدن وخارجها. وفرضت الفحص الفني لضمان سلامة السيارات. ومع كل تلك الجهود تأتي دولة قطر بعدد حوادث السير القاتلة في الترتيب 52 على مستوى العالم (من مجموع 192 دولة). إننا نحمد الله أنه في السنوات الأخيرة تراجعت نسبة الحوادث، ولكن بالإحصائيات يتبين لنا أنه لا تزال الحوادث تحصد العديد من أبناء قطر (انظر الشرق 2/3/2014 بعنوان وفاة 14 شخصا بحوادث مرورية في قطر خلال يناير). وهنا نأتي للسؤال.. أين المشكلة؟

بدراسة عناصر الحوادث القاتلة في قطر نجدها: القوانين والسائق وطوارئ مستشفى حمد وإدارة المرور. أما على مستوى التشريع فلا يبدو أن قطر تشكو من نقص في القوانين بل إن بعض موادها هي أكثر من قاسية. أما السائق، وبدراسة ميدانية وجدنا أن أغلب الحوادث تقع نتيجة خطأ السائق (أكثر من 70 % من الحوادث نتيجة لخطأ أو إهمال من السائق أو تدني مستوى تعليمه وتدريبه المروري). بل إن بعضهم دون السن القانونية للحصول على رخصة القيادة أو لا يملك رخصة قيادة. ونجد أن السائقين يتلاعبون بأنظمة المرور فمثلاً عندما يقترب من الرادار فإنه يخفف السرعة. أما النقاط التي تحسب على السائق فإنه من السهل إيجاد من يشتريها ليتم رفعها من السائق المخالف لآخر ليس له علاقة سوى حاجته للمال السهل. أما طوارئ مستشفى حمد فإن دولة قطر تعاني من عدم كفاية التغطية الطبية، ونقص المسعفين المؤهلين وعدم مقدرتهم على الوصول إلى موقع الحادث ونقل المصابين إلى المستشفيات بشكل فعال وعلى وجه السرعة. ولهذا فإنه ليس غريباً أن تحدث أكثر من 75 % من الوفيات قبل وصول المصاب إلى المستشفى. أما إدارة المرور فهي تعاني من نقص حاد بالعنصر البشري الميداني وليس المكتبي وبشكل لا يتناسب مع معدلات النمو البشري في قطر. ولهذا اختفى تحرير المخالفة الشخصية واستعيض عنها بالإلكترونية التي من السهل الإدعاء بأن السائق المخالف لم يكن هو الذي يقود السيارة.

إن المشكلة تنحصر أساساً في أسلوب تطبيق القوانين المرورية. فقد أفادت دراسة إحصائية دولية بأن تطبيق مخالفة حدود السرعة القصوى وعدم ربط حزام الأمان في قطر تصل لمعدل 60 % من الحالات. ومن هذا يتبين لنا أن المشكلة، حسب وجهة نظري، تكمن في عدم تطبيق قانون المرور بالشدة المطلوبة وبخاصة الأمور المتعلقة: 1. تجاوز حدود السرعة القانونية. 2. تجاوز الإشارة الحمراء. 3. عدم ربط حزام الأمان. ان نظام المرور وحقوق وواجبات السير هي ملك الجميع ومع ذلك نجد أن بعض الأسر تشجع، أو لا تستطيع السيطرة على، ابنهم المراهق الذي يريد أن يمارس هوايته في الطرقات. وحل هذه المشكلة وغيرها يقع في يد إدارة المرور. فإنه يتعين على المرور فرض السلوك الحسن على كل متهور عن طريق: 1. التواجد المروري في الشوارع والطرق. 2. تكثيف الحملات التفتيشية. 2. سحب رخصة القيادة في حالة التكرار. 3. حجز السيارة لمدة لا تقل عن شهر. 4. حجز السائق لمدة لا تقل عن أسبوع.

وفي الختام نقول إن النتائج تظل رهينة بمدى تشبع مستعملي الطرق والمراقبين بمبدأ احترام القانون وبروح المواطنة. وإذا كان هناك أشخاص متهورون ولا يتقيدون بقانون المرور فما ذنب الآخرين حتى يتعرضوا للمخاطر الناجمة عن هذا التهور. إن معاقبة المخالفين الذين لديهم الإصرار على قتل الذات البريئة وعدم التساهل معهم هما السبيل لإصلاح الإعوجاج. والأهم من ذلك فإن على إدارة المرور القيام بتوفير دورات مكثفة لشرطة المرور للتعامل مع المشاكل المروريه والمخالفين. ولنا عودة مرة أخرى، إن شاء الله، في نفس الموضوع.

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع