الاستعداد لديوان السبيل

 

الاستعداد لديوان السبيل

تدور قصة المسلسل الكويتي "ديوان السبيل" من خلال أن إحدى الولايات، كان لها وال طيب، ويحب الناس، ويحب أن يطلع على مشاكل الناس بنفسه. وبينما كان يتجول في إحدى القرى، وجد أهلها يشتكون من عدم وجود ماء للشرب، فأمر الوالي بوضع "حب" أو "زير" ماء، ويكون متاحاً للصيادين وغيرهم، ممن أراد أن يشرب، مجاناً، كماء سبيل. وعندما غادر الوالي القرية، بدأ القائمون على ديوان الوزارة بتحويل هذا المشروع الخيري إلى مشروع شكلت له لجنة عليا لتطويره، وجُند المهندسون لاختيار الموقع وعمل الدراسات، وتم إبعاد ديوان المحاسبة حتى لا يكشف التلاعبات المحتملة، وتم طلب رصد 20 مليون درهم للمرحلة الأولى، و100 مليون درهم للمراحل الأخرى. علماً بأن أصل طلب الوالي كان توفير ماء سبيل للناس بتكلفة لا تزيد عن 20 درهماً في الشهر. (انظر مسلسل ديوان السبيل الحلقة الثانية الجزء الثاني على اليو تيوب)

ونأتي إلى قطر، فعندما اطلع سمو الأمير المفدى على صعوبة حصول المواطن القطري على وظيفة، طلب من جهة الاختصاص، التي لديها الكثير من الموظفين والمفتشين، العمل على حل هذه المشكلة لضمان العيش الكريم لكل المواطنين. .. فماذا حدث؟ قامت هذه الجهة بالعمل، ولكن لضعف القائمين على شؤون هذه الجهة لم تجد التجاوب المطلوب من الجهات الحكومية أو الشركات المختلطة، التي كانت تفضل الوافد على المواطن، مما نتج عنه عدم تحقيق المطلوب. واستمرت شكوى المواطنين، عبر الأجهزة الإعلامية المختلفة، من البطالة. وهنا تدخل المستشارون والخبراء لحفظ ماء وجه المسؤول "بو بشت" أمام سمو الأمير، فخرجوا بمقترح القصد منه ليس حل المشكلة، ولكن رميها على الجهات الأخرى. فقاموا بعمل معرض مهني بسيط، بإمكانيات متواضعة، ولكنهم استغلوا: 1. الوسائل الإعلامية بتضخيم دور هذا المعرض. 2. طيبة أهل قطر الذين صدقوا مزاعمهم بأن المعرض سيوفر لهم العمل المناسب. وطلب المنظمين من المواطنين "الباحثين عن عمل" بالتقدم بطلب العمل من خلال المعرض. وهدأت الأصوات المطالبة بالوظائف، وظن الجميع أن المعرض حقق نجاحاً منقطع النظير. وبدأت التقارير المنمقة، والتي لا تعكس الحقيقة، بالوصول إلى مكاتب متخذي القرار، وإلى الأجهزة الإعلامية. وصاحب هذه التقارير تقدم أصحاب "البرزنتيشن" للجهات العليا برفع مستوى المعرض المهني ليصبح حدثاً بارزاً تشارك فيه جميع الأجهزة الحكومية والشركات المختلطة ويعرض فيه الجميع ما يحتاجونه من القوى العاملة. ولأن ولاة الأمر في قطر فيهم الطيبة، ويسعون بكل الطرق لرفعة شأن المواطنين فقد استمعوا لنصيحة المستشارين وقاموا بتحويل هذا المعرض إلى مركز باسم "معرض قطر المهني" ضمن شبكة المراكز المنضوية تحت مظلة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع. إن توجه الدولة وولي أمرها قد تم تحويرها من خلال المعرض من كل عام إلى عرض لا يسمن ولا يغني من جوع، وكل هدفهم هو التفاخر أمام ولي الأمر من خلال مراسم الافتتاح والتغطية الصحفية المصاحبة، بأنهم يعرضون وظائف للمواطنين الشباب في مختلف القطاعات. في حين أن المستفيدين الحقيقيين من المعرض هم المنظمون، والتجار القائمون بتقديم الخدمات المختلفة للمشاركين. وبه أستطيع القول إن المعرض المهني هو نسخة طبق الأصل من ديوان السبيل. ولهذا يجب تسميته "ديوان السبيل المهني".

إن الحكومة الحالية لها توجهات حميدة، ولكن من المعروف أن المستشارين وأصحاب "البرزنتيشن" لا يستطيعون العيش في الجو السليم ولهذا، وقبل بدء عمل الحكومة الجديدة، أقنعوا متخذ القرار بأهمية تعدد الجهات المتابعة لتعيين القطريين. فمع أنه لدينا وزارة عمل، إلا أنهم توافقوا، ولا أعرف كيف، على جعل الدولة تنشئ وزارة للتنمية الإدارية تختص الأولى بتعيين المواطنين بالقطاع الخاص أما الثانية لتعيينهم بالقطاع الحكومي. إن غير المتتبع لأعداد المواطنين ربما يعتقد أن أعداد العاطلين من المواطنين هم بالملايين في حين أنهم لا يعدون بأكثر من عشرة آلاف. إن الحل بسيط جداً ويمكن أن ينفذ فوراً ودون أي مشاكل تذكر ولكن أياً كان الحل المطلوب فإنه يحتاج إلى إرادة قطرية قوية وإلى قطري صاحب قرار يستطيع مواجهة جميع أنواع الضغوط المحتملة. فبدلاً من عرض الوظائف من خلال المعرض فإن على الجهات التشغيلية تحديد متطلباتها للسنوات الثلاث أو الخمس القادمة وتسليمها إلى وزارة العمل، والتي تقوم بالاتفاق مع معهد التنمية الإدارية بالوزارة الجديدة، أو جامعة قطر، لإعداد برامج تدريبية للوظائف المطلوبة. إن وزير البيئة السابق، عندما حدد احتياجات الوزارة من الموظفين للسنوات القادمة، قام بتعيين 120 من المواطنين وأرسلهم ببعثات للخارج في التخصصات البيئية ومن ثم قام بتوقيع اتفاق مع جامعة قطر لفتح برنامج دبلوم بيئي لعدد 60 مواطنا. وتم عمل كل ذلك بصمت ودون بهرجة إعلامية ودون معارض مهنية لأن الهدف تم تحديده وهو توفير عدد من المتخصصين البيئيين لخدمة أهداف قطر الإنمائية.

إنه من المعيب على دولة قطر، الصغيرة بعدد مواطنيها، أن تنشئ وزارة مثل وزارة العمل ومن ثم تركنها على جنب وتنشئ مركزاً ليقوم بمهامها، وعندما لم يتحقق الهدف تقوم بإنشاء وزارة أخرى لتقوم مقامهما. إن الازدواجية في المهام لا تجلب سوى التراخي والكسل في إنجاز الأعمال، لأن كل جهة سوف ترمي بالإخفاقات على الجهات الأخرى، وبهذا لن تتحقق الإنجازات المطلوبة لصالح البلاد والعباد.

وفي الختام ما زلت أتذكر المواطن القطري عبر برنامج "صباح الخير .. وطني الحبيب" عندما صرخ قائلاً: استروا علي يا عباد الله .. أريد وظيفة، ولو حتى "فراش".

والله من وراء القصد ،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع