الحكومة للمسؤولين.. "يا غناتي"

 

الحكومة للمسؤولين.. "يا غناتي"

بعد أن نشرتُ مقالة "قطر ومؤشرات الأداء" (انظر الشرق 15 /12/ 2013) والتي ذكرت فيها بأنني أتحدى أن تقوم أي جهة بنشر مؤشرات الأداء لديها أو على الأقل أن يكون لديها من يعرف كيف يحلل المؤشرات. بادرني أحدهم ـ بارك الله فيه ـ يقول إنه قبل التحدى وطلب مني الحضور إلى جهته للتأكد من المؤشرات التي ذكرتها بالمقالة. وطلبت منه قبل الذهاب إليه تجهيز الإجابة عن المشاريع المنجزة والمدى الزمني الفعلي لإنجازها؟ وفائدتها المباشرة وغير المباشرة للمجتمع؟ والأهم من ذلك ما هو موقعها من رؤية قطر 2030؟ ولا زلت أنتظر تحديد الموعد مع المسؤول، والذي أعتقد أنه لن يأتي.

لقد تم تحديد الهدف العام الذي تسعى له دولة قطر وذلك من خلال خطاب سمو الأمير المفدى وهو أن رؤية قطر 2030 تهدف لبناء الوطن والمواطن. إن التخطيط السليم للوصول إلى هذا الهدف يتكون من عدة مستويات وكلها يجب أن تعمل مع بعضها لتحقيق الهدف المراد الوصول إليه. وفي البداية لابد من تقسيم الهدف العام إلى خطط تنفيذية قصيرة الأجل إما ثلاثية أو خماسية (بالسنوات) ويتم تحديد دور كل جهة. ولابد أن يتم التركيز في الخطة الثلاثية أو الخماسية على هدفين أو ثلاثة فقط من الهدف العام والتي بدورها تحول إلى مجموعة كبيرة من الأهداف الأصغر ويتم العمل على تحقيقها، ثم العودة مرة أخرى بعد تحقيق الأهداف المطلوبة إلى التركيز على هدف أو هدفين كبيرين في الخطة التالية مع أهمية تحقيق التوازن عند أخذ الأهداف جميعها، بحيث لا يتضخم جانب على الآخر إلا في سياق مقصود. وتقسم هذه الخطط القصيرة، لهدف قياس مؤشرات الأداء، إلى خطط أقصر منها في المدى الزمني أي إلى خطة سنوية وهذه إلى خطة شهرية والتي تقسم إلى خطة أسبوعية وفي النهاية إلى خطة يومية. ولا يمكن فصل أي خطة عن سابقتها لأن بينهم ارتباطاً وثيقاً. والخطط التنفيذية التي تصاحب المدى الزمني الطويل يجب أن تكون مرنة قابلة للتغيير مع تغير الزمن والمعطيات، ويجب أن تراجع من ناحية الألويات، بالواقع والإمكانات والقدرات، كل عدة سنوات. إن التخطيط طويل المدى فيه صعوبة لأنه يمارس نوعاً من التخيل والتجريد ويتعامل مع أفكار يكون التفكير فيها وكتابتها سهلة، ولكن تحقيقها في أرض الواقع قد يواجهه الكثير من العقبات والإخفاقات. إن الأخطاء التي ترتكب لتحقيق الأهداف تعد أمراً طبيعياً لذلك لا مجال للخوف من ارتكاب الأخطاء، ولكن الإنجاز هو أن تقلل منها وتخفف آثارها، والذي لا يخطئ هو الإنسان الذي لا يباشر الفعل ولا يبادر بالعمل.

إن عدم وجود رؤية مستقبلية واضحة عند بعض المسؤولين في قطر تؤدي إلى قتل الإبداع عند غيرهم من المواطنين، وأن ما يشاع أن كل الجهات تعمل حثيثاً للوصول إلى تحقيق رؤية قطر 2030 ما هو ـ حسب اعتقادي ـ إلا استهلاك إعلامي لا أكثر ولا أقل. إن الفشل في تنفيذ الخطط في وقتها المناسب سينتج عنه تردي في الخدمات التي تقدم لأنها لا تستطيع مجاراة الزيادة السنوية للسكان ولا تقدم الأعمال لأن المسؤولين عن تنفيذها وببساطة شديدة لا يقرأون المؤشرات بشكل سليم. وإنه من المهم الآن ـ بعيداً عن العواطف الجياشة ـ قول الحقيقة قبل أن يستفحل الوضع وتصبح بعده المعالجة صعبة جداً ومكلفة في الجهد والمال. إن الحكومة، الله يهداها، لا تزال تتعامل مع المسؤولين مثل الأم الحنون وتكرر على مسامعهم العبارة الشهيرة "يا غناتي" وهذا التدليع والدلال للمسؤول خلق لديهم السلبية والتي امتدت آثارها لتشمل الموظف القطري الذي كان يقول فيما سبق إنه يشتغل على "قد معاشه" وتوقعنا، بعد الزيادة الكبيرة في الرواتب، بأن هذه النبرة ستختفي ولكننا نفاجأ بأن الموظف القطري لا يزال يكررها مرة أخرى، وهذا دليل على السلبية المترسخة.

والآن وبعد مرور أكثر من 40 سنة من الاستقلال نجد أنفسنا في مراحل تجارب لا تنتهي ومع كل إخفاق في تنفيذ الخطط المرسومة يتم استبعاد المسؤول معززاً مكرماً ويؤتي بآخر يستمر في إجراء التجارب على كيفه ماسحاً ما أنجزه الذي سبقه ولو كان يسيراً، وطيلة هذه الفترة من العمر الذي يذهب هدراً لم تحاسب الحكومة أي مسؤول عن فشل أي خطة تم تكليفه بها. إنه من الأمور المحزنة أننا لا نعرف ماذا سيحدث في قطر بعد كم شهر؟ ولا هي الأسباب بعدم وجود مخازن كافية للمواد الغذائية سواء الطازج منها أو المعلب؟ ولا نعرف لماذا حصاد تستثمر خارجياً منذ سنوات في الزراعة ولم يصلنا منها أي حبة قمح؟ ولا نعرف لماذا كروة تنشئ مصنعاً لتجميع السيارات في عمان ولا تستثمر داخلياً؟ ولا نعرف هل المسؤول يعلم مدى الهدر المالي والنفسي على الحكومة والأفراد جراء توقف السيارات في الزحمة؟ ولا نعلم هل بالإمكان علاج المرضى بالممرات في المستشفيات التي تغص بنزلائها؟ هذه الأسئلة، وغيرها الكثير، تدور في ذهن المواطن ويبقى السؤال: هل يستاهل المواطن هذه النوعية من الخدمات أو هذا التخبط غير الواقعي للخطط؟

وفي الختام نقول إنه بدون التخطيط السليم والعمل الحقيقي والمحاسبة تصبح رؤية قطر 2030 مجرد أحلام وأمنيات، ولهذا أدعو الدولة وليس الحكومة بدعوة بيت خبرة دولي يقيم ما تم إنجازه من رؤية قطر 2030 حسب السنوات وحسب الجهات، ولندخل في قاموسنا محاسبة المقصرين أياً كان موقعهم في تنفيذ الخطط.

والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع