الدولة والحاضنة

 

الدولة والحاضنة

نشر في جريدة الراية إعلان سعادة الرئيس التنفيذي لبنك قطر للتنمية عن إطلاق حاضنة قطر للأعمال في الربع الأول 2014 وذلك بالشراكة مع دار الإنماء الاجتماعي (انظر الراية 11 /12 /2013). وأشار في الإعلان إلى أن حاضنة قطر للأعمال هي أكبر حاضنة في الشرق الأوسط. وقال إنه عن طريقها سيتم توفير جميع احتياجات رياديي الأعمال القطريين التنموية من ناحية توفير مكاتب ومساحات مكتبية وإتاحة الدعم الفني عن طريق النصح والإرشاد القانوني والمواد البشرية وتوفير جميع الأدوات التي يحتاجونها لتحويل أفكارهم إلى مشاريع على أرض الواقع، كما أنها ستوفر ورش عمل للمشاريع الصناعية تساعد في كيفية تنفيذها. وأضاف أن بنك قطر للتنمية حريص على أن يكون متواجداً في هذه المرحلة الحساسة والحرجة وهي مرحلة تكوين الفكرة وتحويلها إلى مشروع قابل للتنفيذ. وفي خلال حديثه ذكر الرئيس التنفيذي لبنك قطر للتنمية أن السوق اليوم قائم على التنافس. وهنا نضرب "بريك". إن الذي جعل الرئيس التنفيذي يقول هذا الكلام يرجع أساساً لفقدان التخطيط الاستراتيجي السليم والرؤية الشاملة لأي خطة تقوم بها أجهزة الحكومة المختلفة. إن وضع استراتيجية واضحة المعالم بناء على اسس صحيحة هو الذي يقود لنجاح أي مشروع أو أي خطة.

إن أي اقتصاد في تطوره السليم يبنى على النزاهة، والمنافسة الشريفة بين جميع الأطراف. ويكون دور الدولة هو توفير الضمان والحماية لهذه الأطراف من خلال وضع تدابير وقائية وحمائية لمواجهة كل أشكال الممارسات التعسفية والتمييزية. ودولة قطر فرضت قوانين عديدة لحرية التجارة والمنافسة لجميع من في السوق، مواطنين وغير مواطنين، ومعاملتهم على قدم المساواة. ويجب على الدولة ألا تتدخل في السوق إلا في حالة حدوث خلل في سير المنافسة باعتبارها الضامنة لحسن سير قواعد السوق وللنظام الاقتصادي بالدولة. ولكن ما حدث أن الحكومة بما أنه ليست لديها سياسة استراتيجية فقد اختفت قواعد المنافسة الشريفة التي صاحبت التحرر الاقتصادي مما نتجت عنها آثارا جانبية تمثلت في زيادة الاحتكار الخفي وتنامي الممارسات المنافية للأخلاق سواء على صعيد الأسواق أو الأسعار. فقطاع النقل، على سبيل المثال لا الحصر، متحكم به من قبل جنسيتين وافدتين ولو حاول أي قطري الدخول لممارسة النشاط بنفسه سوف يجد الخسارة، وبكل جدارة، في إنتظاره. وقس على ذلك جميع الأنشطة في القطاع الخاص. ولذلك ليس بمستغرب قيام القطريين بتأجير السجل التجاري للوافدين والإقتناع بنسبة معينة يستلمها كل شهر أو كل سنة بدلاً من الدخول في سوق يسمى بالسوق الحر وهو ليس كذلك.

إن مشروع حاضنة قطر للأعمال، كما أعلن عنه، يعتبر مشروعاً فاشلاً إذا اكتفى بنك قطر للتنمية بتوفير الأمور المادية والمعنوية لإنشاء المشاريع بدون أن يوفر الأسواق المضمونة لها. فالمواطن صاحب المشروع لن يستطيع تسويق منتجاته في وجود احتكار غير معلن للسوق المحلي والمتمثل بسيطرة مطلقة لحوالي سبع جنسيات وافدة على كل الأنشطة الاقتصادية في قطر. إن على الحكومة إذا ما أرادت النجاح لهذه الحاضنة والتي تعد، كما قيل، أكبر حاضنة في الشرق الأوسط، أن تضمن الأسواق لمشاريعها. إنه من المعروف أن بنك قطر للتنمية هو بنك حكومي والحكومة تنفذ إرادة الدولة. ومن المعروف أن الدولة تدافع عن مواطنيها، بل إن السبب الرئيسى فى وجود الحكومة يرجع إلى قدرتها على حماية مواطنيها، وتوفير الأمن، وحماية الحدود، وتقديم الخدمات العامة. ولهذا فإنه من حق الدولة، عندما تجد أن موازين الأسواق غير سوية، أن تقوم بتقييد هذه الحريات وأن تقيم محلها سلطة مستبدة بكل معنى الكلمة. إن الحكومة هي أكبر محرك للأسواق بما تضخه من مشروعات تقدر قيمتها بمئات المليارات، وعليه فإن أرادت الحكومة النجاح لمشروعات الحاضنة فإن عليها أن تجبر المقاول الرئيسي لمشروعاتها باعتماد السلع والخدمات من الحاضنة. ففي حال تشييد المدارس الجديدة، على سبيل المثال، تجبر المقاول باعتماد مشروعات الحاضنة كمقاولين من الباطن. فالذي يعمل بالألمنيوم يكلف بالشبابيك، والمناجر تكلف بالأدراج والكراسي والخزانات، والسباكة بالتمديدات المائية والكهربائية، والتقنيات بتركيب الأجهزة الدقيقة وشبكات الحاسب الآلي، وبقية الأعمال الأخرى يجري عليها ما جرى على غيرها. ولا مانع، في البداية، أن تدفع الحكومة للمقاول الرئيسي، الفرق بين سعر السوق وسعر السلع والخدمات من مشاريع الحاضنة. وبه يستفيد المواطن من البيئة الاقتصادية المحمية، والمدعومة بسلطات الحكومة التي تؤهله لأن يكون له وضع امتيازي بالمقارنة مع نشاط الجنسيات الأخرى. وحتى لا تذهب مجهودات الدولة في دعم مشاريع الحاضنة إلى الجنسيات الأخرى فإنه يجب عليها تحديد صفة المشروع الوطني وإلزام المواطن بإدارته الشخصية له، لان دعم العمل الوطني يعد في الوقت نفسه دعماً للعمالة المواطنة فكلاهما وجهان لعملة واحدة. إنه من المهم تطوير أنشطة المواطنين الخاصة وحمايتها وفق أسس ترتكز على استراتيجية متكاملة بغية الوصول الى قطاع متكامل وفق رؤية عصرية مطورة تسهم في النمو المتنوع لمصدر دخل المواطنين.

وفي الختام نقول إن الدجاجة، التي تزعل من ان ننعتها باسمها، هي أسد شرس عندما يريد أي كائن إنتزاع أحد صيصانها، وعندما يشتد البرد تدفئهم تحت جناحيها، وتبحث في الأرض وترمي ما تجده أمام صغارها ليأكلوه ويتعلموا منها ما هو النافع لهم. وعندما يكبر ويشتد عود الصوص تتركه الدجاجة الأم لحاله لأن مهمتها قد إنتهت. سبحان الله الذي علم الحيوان كيف يحمي أبنائه.. فهل هناك يا حكومة إحتمال بالقيام بحماية أبنائك حتى يكبروا؟

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع