إقالة العثرات.. وتجاوز الزلات

 

إقالة العثرات.. وتجاوز الزلات

ذات يوم صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان الى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه وهو في جوف رحله". ومر أبو الدرداء رضي الله عنه على رجل قد أصاب ذنباً والناس يسبونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب "بئر" ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: نعم، قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي.

إن الإسلام يحث على الأخلاق الكريمة ومن هذه الأخلاق إقالة عثرات الكرام وذوي الهيئات، وغض الطرف عن هفواتهم، والتسامح معهم، لأنهم غالبا لا يتعمدون الخطأ ولا يقصدون اتيان القبيح. أما محاولة تصيد الأخطاء والتفتيش عن العيوب والزلات بناء على سوء الظن والشك والريبة فهذا ليس من سلوك المؤمنين. إن الإنسان فطره الله على أنه يصيب ويخطئ، ويعلم ويجهل، ويذكر وينسى، ولم يعصم أحداً من الوقوع في الزلة والهفوة والعثرة غير الأنبياء. ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "تجاوزوا عن ذنب السخي وزلة العالم وسطوة السلطان العادل، فإن الله تعالى آخذ بيدهم كلما عثر عاثر منهم" وفي حديث آخر قال نبي الرحمة "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" ويستفاد من الأحاديث أن الإسلام يحفظ لأهل الفضل كرامتهم، ويقيل عثرتهم، وتشفع لهم سابقتهم في الخير والإسلام. وروي عن بعض السلف "أدركت قوماً لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب الناس، فذكر الناس لهم عيوباً، وأدركتُ أقواماً كانت لهم عيوب، فكفوا عن عيوب الناس، فنسيت عيوبهم". وللنظر إلى هدي رسولنا الكريم في تعامله مع أحد الصحابة عندما حاول إعلام قريش بأن رسول الله قادم إليهم لفتح مكة. وهذا الخبر يعتبر كشف أسرار الدولة المسلمة لأعدائها. لقد عامل النبي هذا الصحابي معاملة رحيمة تدل على إقالة عثرات ذوي السوابق الحسنة فجعل رسولنا الكريم من ماضي هذا الصحابي سبباً في العفو عنه. إن إقالة العثرة، والعفو عن صاحب الخطأ والزلة، ليس إقرارا لخطئه، ولا تهوينا من زلته، ولكنه إنقاذ له، بأخذ يده ليستمر في عطائه.

كل ما سبق كان يتعلق بحالة ما إذا قام المسلم بإرتكاب زلة أو إثماً أو ذنباً واضحاً. أما ما حدث في الأيام القليلة الماضية فقد تم شن حملة كبيرة في وسائل الإعلام المختلفة على أختنا الأستاذة الدكتورة شيخة بنت عبدالله المسند رئيسة جامعة قطر على أمر لا يعد ذنباً ولا إثماً. وما تحدثت به الدكتورة في حفل تكريمها من قبل جامعة دلهاوزي الكندية لم يتعد، من وجهة نظري الخاصة، كونه حديثاً عادياً كان رداً على سؤالين وجها لجميع من كرم من الجامعات: 1. ما هو أهم إنجاز عملته كرئيس جامعة وتفخر به؟ 2. ما هو الذي يجعلك لا تنام الليل بالنسبة لجامعتك؟ ولقد تحدث رئيس جامعة دلهاوزي الكندية حديثاً مطولاً عن إنجازات الدكتورة شيخة يجعلنا نفخر بوجود نموذج مثلها في قطر. ولكن، للأسف الشديد، إن من شن الحملة على الدكتورة شيخة تناسى، بقصد وبسوء نية، أن جامعة تنتمي للمجتمع الغربي كرمت قطر في رمز من رموزها. ولكن مسح هذا التكريم وهذا التشريف بالكامل بسبب فقرتين أو ثلاث من حديث الدكتورة شيخة رآها البعض، ولست منهم، أنها إساءة خطيرة لقطر وللقطريين. ومع ذلك تحدثت الدكتورة للصحافة لإزالة اللبس والتأويل الذي صدر من البعض لجزء من حديثها (انظر الشرق 28 /11 /2013). ولأن الحملة لها أغراض أخرى فقد استمرت بشكل أكبر لوجود من يغذي هذا التصدع في المجتمع القطري الإسلامي.

إن هذه الحملة المغرضة وغيرها من الحملات التي أصابت رموزاً قطرية بدءاً من سمو الأمير الوالد وسمو الشيخة موزا والتي لا تزال تطول سمو أميرنا المفدى وكثيرين غيرهم من المواطنين القطريي،ن ما هي إلا حملات موجهة وراءها من وراءها، تعمل بجد لتفريق القطريين.. وللأسف نجد من يسير في ركبها من المواطنين بإخلاص نية. إنني من المؤيدين للوقوف بكل حزم لكل من يسيء إلى قطر والقطريين سواءً كانت الدكتورة شيخة المسند أو غيرها من المسئولين. ولكن بدلاً من أخذ الموضوع بالصراخ والضجيج، وبث الفرقة بين الناس ما بين مؤيد ومعارض والقيام بنشر غسيلنا لمن يتربص بنا الدوائر، فإنه علينا أن نأخذ بنصيحة أخينا الفاضل المحامي عبدالله طاهر الذي طالب، ولا يزال يطالب، بتحويل الأمر إلى القضاء ليحكم فيه بشكل محايد. وإذا أثبت القضاء أنه على الدكتورة أو غيرها من المواطنين ذنب فيما نسب إليهم من كلمات أو افعال ضد قطر أو ضد المواطنين فعليهم الإذعان لحكم القاضي والقيام بتنفيذ حكم المحكمة.

وفي الختام نقول خلونا مسلمين ونتعامل مع أي حدث بالشكل الإسلامي الصحيح، ولا تنسوا قوله تعالى (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) يونس: 36.

اللهم أرِنا الحقّ حقًا وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها، لا يصرف سيئها إلاّ أنت. اللهم اجعل قطر بلداً آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع