الحكومة والتاجر المسكين

 

الحكومة والتاجر المسكين

قبل كتابة هذا الموضوع قمت بالاتصال مع العديد من الأصدقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وكان محور هذه الاتصالات الاستفسار منهم عن قيمة إيجار المحلات التجارية ومكاتب الشركات الإدارية والمخازن وسكن العمال والموظفين. وقمت بدوري بمقارنة الأسعار في تلك الدول مع أسعار شبيهاتها في دولة قطر. ووجدت أن قطر لها السبق، وبدون منازع، فوق العالمين في فرض الأسعار الخيالية. ففي مدينة الوكرة، على سبيل المثال، وصل سعر الباب على الشارع العام مبلغ 000ر40 ألف ريال في الشهر في حين أن مثل هذا الباب في أهم شارع من شوارع مدينة خليجية بلغ نفس السعر ولكن في السنة وليس في الشهر. ونفس الشيء ينطبق على الإيجارات المختلفة من المباني أو المساحات الأرضية التي تحتاج إليها المنشأة التجارية أو الصناعية في عملها.

إن الحكومة القطرية هي من خلق أساس المشكلة عن طريق الإفراغ المفاجئ لوسط مدينة الدوحة وتحديد عدد قليل من الشوارع، لمدينة الدوحة المليونية، كشوارع تجارية. إن هذا العمل في حد ذاته قد رفع الإيجارات إلى أرقام قياسية لم تشهدها البلاد من قبل. فأصحاب المحلات التجارية بمركز المدينة بدأوا بالبحث عن مواقع بديلة لممارسة النشاط ولسكن الموظفين وأصحاب العقار بدورهم عرفوا بهذه الحاجة وعرفوا بقلة المعروض فرفعوا الأسعار. وفي نفس الوقت تخلت الحكومة عن إيجاد حل مناسب لمن تضرر من القطاع الخاص بسبب أعمالها بل ونجدها تبسط قوتها بتسليط إدارة حماية المستهلك بوزارة الاقتصاد والتجارة على التجار. فعندما تأتيهم شكوى عن أي موقع بأنه رفع الأسعار على الزبائن يهب مفتشو الإدارة، ما شاء الله عليهم، بكل حماس ونشاط لزيارة الموقع وتحرير مخالفة على أصحاب الموقع لأنهم لم يقدموا طلباً للإدارة طالبين رفع الأسعار، متناسين أن إيجار الموقع كان من شهر بسعر والآن بسعر أعلى وفرق الأسعار يجب أن يتحمله الزبون.

إن الدولة، كما هو معروف، قد أصدرت القانون رقم (12) لسنة 1972 بشأن التسعير الجبري وتحديد الأرباح، والقانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وقانون رقم (8) لسنة 2008 بشأن حماية المستهلك، ووزير الاقتصاد والتجارة بدوره قام بتشكيل لجنة تعيين الحد الاقصى للأسعار. وكل هذه القوانين والقرارات وغيرها الكثير تمنع أي جهة من مقدمي السلع والخدمات من رفع الأسعار بدون الرجوع إلى أجهزة الوزارة المعنية. وهذا الكلام ممتاز لو طبق على أرض الواقع بالأسلوب الذي حدده رب العالمين بقوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) النحل: 90، وقوله تعالى (وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الأنعام: 152. هذه الآيات وغيرها تبين أن أساس المعاملات هو العدل كل العدل ولو على أنفسنا.. وهنا لنسأل الجهة الحكومية المختصة: هل حصلت وزارة الاقتصاد والتجارة أو وزارة الداخلية أو وزارة العمل والشئون الاجتماعية أو على الأقل شركة كروة أو شركة وقود على موافقة الوزارة عندما رفعوا من أسعار رسوم خدماتهم ومنتجاتهم؟ طبعاً سيكون الجواب بالنفي لأن هذه الجهات، حسب ما سيقولون، سيادية أو احتكارية. إن رب العالمين، كما تبينه الآيات السابقة، لم يجعل جهة تحاسب وجهة أخرى لا تحاسب فالكل سواسية وهذا هو الصراط المستقيم الذي أمرنا به رب العزة والجلالة باتباعه. ولا ننسى قول أبو الأسود الدؤلي:

لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله ** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

فعندما تريد الجهات الحكومية مخالفة التاجر بسبب رفع الأسعار فإن عليها أن تقوم بمخالفة من يتسبب في رفع الأسعار والذي أقصده بالتحديد الجهات الرسمية وأصحاب العقارات. ولكن ربما ما يمنعهم من مخالفة تلك الجهات مصطلح "روح بعيد وتعال سالم".

إن الاختلاف الكبير في أسعار الإيجارات بين قطر ودول الخليج، يعد مصيبة كبيرة على التاجر القطري. فهو مضطر لأن يرفع أسعار السلع والخدمات ليقابل ما سوف يصرفه على الإيجارات مما يقلل من إجمالي المبيعات. وكما هو معروف: كلما ارتفعت الأسعار قل طلب شراء البضاعة. ولذلك ليس بغريب أن تتعرض الشركات والمؤسسات التجارية إلى خطر الإغلاق أو على الأقل خطر المنازعات التجارية في المحاكم القطرية. إن حل هذه المشكلة سهل وبسيط جداً وبيد الحكومة القطرية فقط. فلو أرادت الحكومة، وبشكل حقيقي وجاد، حل هذه المشكلة فعليها إتخاذ طريقين. طريق التخلي عن العمارات والأبراج المستأجرة التي لم تسكن أو تستغل حتى الآن (بعضها مؤجر منذ سنوات). هذا الفعل سيؤدي إلى تخفيض أسعار إيجارات المكاتب التجارية والشقق السكنية. أما الطريق الثاني، وكما فعلت دول أخرى عديدة، فهو القيام بتحديد الشوارع التجارية عن طريق تحديد عرض الشارع الرئيسي. فإذا بلغ عرض الشارع حدا معينا، لنقل مثلاً 40 متراً، جاز تسميته، وبدون النظر للمصالح الخاصة، كشارع تجاري. في حين لو وصل عرض الشارع 30 متراً جاز تسميته كشارع إداري. أما ما يقل عن ذلك، فيمكن إدراجه كشارع خدمات محلية. ولو طبق هذا الأمر ستنخفض أسعار تأجير المحلات والمعارض والمخازن في نفس يوم التطبيق.

وفي الختام نقول: يا حكومة أنت من خلقت مشكلة ارتفاع الأسعار في قطر.. وإن عليك أن تقومي بحلها لمصلحة الاقتصاد ولمصلحة المستهلكين الذين أصبحت رواتبهم، الكبيرة في الأرقام والقليلة في القيمة، لا تكفي لضرورات الحياة.

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع