اغلاق بقوة الإيجار

 

اغلاق بقوة الإيجار

من المعروف أن اغلاق أى محل فى العالم يأتى دائماً بقوة القانون لكن فى قطر يأتى أيضاً بقوة الايجار. مواطن بعد أن قرأ مقال "الحكومة والتاجر المسكين" (انظر الشرق 3/11/2013)، اتصل بى شاكياً الحال مما أصابه من جراء ارتفاعات الايجارات غير المنطقية. فقال: كان لى نشاط تجارى وكان يدر دخلاً محترماً ولم أعان ، والحمد لله، من أية ضائقة مالية فى الماضي. وفى أحد الأيام طلبت الحكومة مغادرة العقار. ومع رفضى الا انهم أجبرونى بقوة القانون من مغادرة الموقع. فبدأت رحلة المعاناة بالبحث عن موقع مناسب ووجدت ضالتى على شارع أبوسمرة. وأبت الفرحة أن تستمر طويلاً. فقد أتى صاحب العقار بعد سنتين مطالباً بزيادة قدرها 200 % وحاولت أن أفهم المالك بأن المبنى على حاله وأن الصيانة الدورية أنا من يقوم بها حتى رصف الموقف تم على حسابى وأن مطالبته بالزيادة غير مبررة مطلقاً. فقال: اذا ما يعجبك مع السلامة واطلع من أملاكي. وتحملت هذا الأمر لستة أسباب: 1. أن عقد العين المؤجرة سنوى وتجديده يخضع لموافقة المالك فقط. 2. سوف أخسر كل ما صرفته على الديكور الداخلى والخارجى للمبنى وهو لا يقل عن مليون ريال قطري. 3. من الصعوبة ايجاد موقع فى وقت سريع. 4. عملية النقل مكلف لنوعية البضاعة. 5. التوقف عن العمل سوف تكون لمدة ليست ببسيطة. 6. سوف أخسر جزءاً كبيراً من زبائني. ودفعت الزيادة مرغماً. وبعد ثلاث سنوات أتى المالك من جديد طالباً زيادة الايجار بنسبة أكبر من السابقة. وتلفت يميناً وشمالاً لمعرفة ما هى الاضافات التى أضيفت للمبنى تبرر طلبه بالزيادة فلم أجد شيئاً. فقلت له: ليس هناك داع لذلك فالعقار قائم وتم بناؤه منذ زمن طويل. ومع ذلك فقد وافقت مرغماً على طلبه. صحيح أنى أحقق ربحاً شهرياً يبلغ 100 ألف ريال من التجارة التى أقوم بها، ولكن فى نهاية الشهر أقوم بدفع 80 ألف ريال منها لصاحب العقار ولم يتبق لى سوى 20 ألف ريال، وكأنى فى الحقيقة أصبحت أجيراً عند صاحب العقار الذى يأخذ جهدى بدون تعب ولا استثمارات اضافية. وقارنت الجهد المبذول بالقيمة المتبقية فوجدت أن العملية كلها لا تستحق، وبخاصة أننى بلغت من الكبر عتياً. فتوكلت على الله وأغلقت الشركة للأبد. ولعلمك بأن الكثير من المحلات والشركات أغلقت بسبب الارتفاع الهائل فى الايجارات.

وجلست أتفكر فى حال هذا التاجر الأجير عند صاحب العقار، حيث يسلم 80 % من أرباحه بعد أن يكد ويجتهد فى تحصيلها الى صاحب العقار بدون أن يقدم هذا الأخير أى جديد من الخدمات لمستأجرى العقار. وفى هذه اللحظة وصلت قريباً من منطقة لوسيل العقارية وبدأت أسأل نفسي: لماذا تركز الدولة على تبنى مشاريع عقارية عالية المستوى ومستهلكة للوقت ومهدرة للمال فى حين أنها تركت الشوارع التجارية والادارية المحدودة للمضاربين يرفعون من أسعارها ويعوقون الحركة الاقتصادية بالبلاد؟ من هو التاجر الذى سيمارس نشاطه فى هذه المناطق الجديدة مرتفعة القيمة؟ ما هى طبيعة أسعار السلع والخدمات التى ستقدمها تلك المحلات لزبائنها؟ لماذا لا تقوم الدولة بفتح شوارع تجارية جديدة وفق طبيعة الشارع بغض النظر عن المصالح الخاصة التى تتحكم فى انشائها؟ أسئلة عديدة وكل أجوبتها بيد الدولة فقط.

ان قلة الشوارع التجارية ستؤدي، بلا شك، الى قلة المعروض من المحلات التجارية الذى سيؤدى بدوره الى ارتفاع جنونى فى الايجارات. وللأسف ان ارتفاع الايجارات لم يكن سببه الوحيد ندرة المحلات التجارية بل أيضاً الجشع لأن الطلب مهما كان كبيراً لا يبرر الزيادة غير المنطقية وغير المعقولة. ومن المعروف أن ارتفاع الايجارات ينعكس على كلفة السلع والخدمات المقدمة لأن التجار سيكون عليهم تكاليف اضافية ترغمهم على رفع السعر. ومن أهم الآثار الأكيدة لهذه الظاهرة:

تهديد الاستثمار الأجنبي: أى زيادة فى أحد تكاليف الانتاج ستؤدى بالمستثمرين الأجانب بالبحث عن دول بديلة تنخفض فيها تكاليف الانتاج. ولذلك ليس بغريب أن يتجه المستثمرون الأجانب الى الامارات والسعودية. وبهذه المغادرة ينتهى الأمل فى نقل التكنولوجيا والمعرفة التى تحتاج لها بلادنا.

هجرة عوائل الوافدين: زيادة الايجارات أجبرت الوافدين على ترحيل عوائلهم مما أدى الى: 1. انخفاض الدورة الشرائية المحلية خاصة فى السلع الاستهلاكية والغذائية. 2. زيادة التحويلات المالية للخارج مما يحرم الاقتصاد من مليارات الريالات التى كانت تصرف محلياً وتنعش بها السوق. 3. مشاكل اجتماعية متنوعة.

تأثر القطاع الاقتصادي: سوف يؤثر رفع تكاليف الانتاج مختلف القطاعات الاقتصادية مما يضعف قدرتهم على المنافسة مع شركات الدول الأخرى والذى سيؤدى الى كساد اقتصادى وبدوره سيؤدى الى اغلاق الشركات أو على الأقل ستغادر استثمارات المواطنين من البلد لصالح دول أخرى

وفى الختام نقول ان ما ذكر هو بعض من أهم المشاكل وهناك مشاكل أخرى عديدة. ان الدولة خصصت الكثير من الأراضى الاستثمارية لأصحاب النفوذ وهؤلاء ينقلونها من يد الى يد حتى تبلغ قيمتها مبالغ خيالية يعجز المستثمر العادى أن يشتريها ومن ثم البناء عليها. أليس فى استطاعة الدولة تخصيص جزء من تلك الأراضى لمستثمرين قطريين بعقود ايجار طويلة الأجل ويضعون فيها شروط البناء وقيمة أسعار المحلات والشقق وبخاصة للطبقة المتوسطة ومحدودة الدخل وبه تتحقق كلمة سمو الأمير المفدى فى التصدى لمشكلة ارتفاع الأسعار بقوله "وستعمل الحكومة على احتوائها بكافة السبل والأدوات المتاحة"

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع