المتاجرة بالقطري

 

المتاجرة بالقطري

مع بدء الدراسة في مدارس قطر هذا العام بدأت تنتشر جداول الرسوم الدراسية المفروضة على القطريين وغير القطريين. والغريب في الأمر أن أسعار الرسوم الدراسية قد زادت، في بعض الحالات، إلى أكثر من الضعف. والأغرب أن تلك الزيادة في الرسوم كانت على الطالب القطري فقط في حين أن غير القطريين لم ترتفع عليهم الرسوم مطلقاً. فقررت الذهاب إلى إحدى المدارس لمعرفة السبب في ذلك وكان في اعتقادي أنهم ربما غيروا كراسي الطالب القطري لتصبح من الذهب الخالص أو أن المدرسين المخصصين للقطريين فلتة زمانهم في العلم وطرق التعليم مثل اينشتاين وربعه أو أن للطلبة القطريين فصولا خاصة بهم مجهزة بكل أسباب الرفاهية والأجهزة الحديثة.. فماذا وجدت:

1. تفضيل الوافد بالقبول بالمدرسة على المواطن. 2. أن الطالب القطري يجلس في نفس الصف وعلى نفس نوعية الكراسي كالوافد. 3. أن المعلم الذي يدرسهم هو نفسه. 4. فرضت كتب دراسية وخدمة مواصلات بأكثر من أسعارها الحقيقية.. وحاولت أن أعرف لماذا وافق المجلس الأعلى للتعليم لتلك المدارس برفع رسومها على القطري فقط ولكن بكل خبراتي المتراكمة لم أستطع تفسير ذلك مطلقاً.

إن وجود قائمتين للأسعار واحدة للمواطن وأخرى لغير المواطن معمول بها في جميع أنحاء العالم. ولكن الفرق بيننا وبين العالم أن الأسعار الأقل هي للمواطن وليس لغير المواطن. فعندما كنت في بريطانيا للدراسة كانت رسوم الطلبة الإنجليز بالجامعة تصل إلى 100, 1 جنيه استرليني في حين أن الرسوم المفروضة على غيرهم تصل إلى 700, 6 جنيه استرليني. حتى ان أسعار الفنادق للمصري في جمهورية مصر نجدها تبلغ ربع ما يفرض على الوافد. ولكن الوضع صار معكوساً في قطر في كثير من الأمور فعملية الاستغلال والمتاجرة على القطري واضحة في ميادين عديدة والسبب في ذلك أنه قطري. واتسمت بعض أنواع هذه المتاجرة بموافقة ومباركة رسمية من الأجهزة الحكومية في مجال المدارس الخاصة وخطوط الطيران القطرية. إن زيادة الرسوم الدراسية كان يمكن قبولها إذا كانت مرتبطة بإضافة خدمات جديدة تتعلق بالجودة ونوعية المناهج الدراسية أو كفاءة المدرس الذي يقوم بتعليم الطلاب، ولكنها جاءت بدون سبب وأرى أنها غير مقبولة وتحتاج إلى مراجعة ويجب أن يحاسب المسئول الذي اقترحها والمسئول الذي اعتمدها مما جعلها تأخذ الصفة الرسمية. صحيح أن الحكومة هي التي تدفع رسوم الطلاب في المدارس الخاصة بموجب الكوبونات ولكن هذه الموافقة هي عملية إهدار منظم للأموال العامة لصالح إدارات المدارس الخاصة التي أساءت إلى نظام الكوبونات وتعاملت معها بطريقة غير مشروعة.. بل والأدهى من ذلك أن المدارس بدأت تفرض رسوماً إضافية فوق قيمة الكوبونات لإمتصاص أموال المواطنين. ووصل الأمر أن بعض المدارس القطرية بدأت بالعمل كأنها شركة تجارية ربحية فهي تفرض على الطلبة، وبصورة خاصة الطالبات، أن يتم شراء أدوات القرطاسية من المكتبة الفلانية وتفصيل المريول من الخياط الفلاني ونوعية قماش المريول من صنف محدد لا يوجد إلا في محل معين. وهذا الإجراء ليس بغريب بل هو متبع في دول أخرى ولكن مدارس تلك الدول تفرض على تلك المحلات المختارة أسعاراً خاصة ومميزة لطلبتها تختلف عن الزبائن العاديين لتلك المحلات. أما عندنا فهم اختاروا المحلات التي تفرض أسعاراً مرتفعة عما هو عليه في السوق القطري مما يخلق شكاً بأن هناك مصالح تجارية بينهم. وقد ذكرت إحدى المتصلات ببرنامج وطني الحبيب صباح الخير أنها وجدت شبيها للمريول المطلوب في أحد المجمعات التجارية بأسعار تقل كثيراً عن محل الخياطة المحدد ولكن مع اختلاف بسيط في نوعية القماش وليس لونه. ولقد أحزنتني عبارة أحد المواطنين على صفحات جريدة الشرق عندما قال: أولادي لم يذهبوا إلى المدرسة منذ 4 أيام بسبب عدم مقدرتي على توفير المصروفات الفلكية التي تفوق طاقتي. وأنا لا ألوم المدارس الخاصة بل ألوم الحكومة على تأييدها لمثل هذا التمييز العنصري بين المواطن والوافد بحيث أصبح الوافد يحظى بكل خيرات البلاد والقطري ينظر بحسرة الى وضعه الميئوس منه.

إن الإسلام جاء لحماية الضروريات الخمس وهي: حماية النفس، حماية الدين، حماية العرض، حماية العقل وحماية المال.. وشرع حدوداً تحميها وتعمل على تحقيقها فى المجتمع. فمن أجل حماية المال شرع الله تعالى حد السرقة وحرم الغش والخداع والنصب والاحتيال والنهب وكل ما يؤدى إلى أكل أموال الناس بالباطل، وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أنه "لا يحل لأحد أن يأخذ من مال أخيه شيئاً إلا عن طيب نفس". فكما يجب الحفاظ على أموال الناس فرداً فرداً يجب الحفاظ كذلك على المال العام. وإن حرمة المال العام في الإسلام هي أشد من المال الخاص لأن أثرها على الأمة بأسرها وليس فرداً واحداً، فلا يجوز لموظف عام سواء كان وزيراً أو مديراً أن يهدر المال العام بهذه الصورة غير اللائقة.

وفي الختام نقول ان التعليم، كما حدده الدستور القطري، هو دعامة أساسية من دعائم تقدم المجتمع، تكفله الدولة وترعاه، وتسعى لنشره وتعميمه. ونص الدستور القطري على أن التعليم حق لكل مواطن وتسعى الدولة لتحقيق إلزاميته ومجانيته. ولكن ما يحدث في أرض الواقع يختلف عما نص عليه الدستور القطري الواجب اتباعه. ونصرخ عالياً: تذكروا يا خلق الله أن المواطن القطري ليس عنده "بيب" بترول (أنبوب نفط) يصب في بيته.

والله من وراء القصد..

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع