الطفل والواجبات المدرسية

 

الطفل والواجبات المدرسية

كتبت عدة مقالات، فى الفترة السابقة، عن التعليم فى قطر وكيف قام المجلس الأعلى للتعليم بإطالة السنة الدراسية وفى نفس الوقت بإطالة اليوم المدرسى المنهك فى أجوائنا الحارة الأمر الذى أدى الى: 1. عدم تفاعل الطفل مع والديه لأنه يراهما، بسبب الواجبات المدرسية، امتداداً للمدرسة. 2. حرمان الطالب المسكين من التمتع بطفولته حيث يقضى كل يومه بالمدرسة أو حل الواجبات المدرسية. 3. عدم قدرة الطفل على تكوين صداقات خارج زملاء المدرسة. 4. لا يملك الطفل وقت فراغ ليمارس فيه مختلف أنواع الأنشطة الجماعية والمجتمعية التى تبنى شخصيته المستقبلية من خلال بيئته التى يعيش فيها ويتعايش معها. ولا ننسى أن اليوم المدرسى الطويل من جهة والواجبات المدرسية من جهة أخرى تجبر الطفل على الجلوس لساعات طويلة جداً فى اليوم الواحد مما يحد من حركته وقلة الحركة نتيجتها الحتمية هى السمنة الزائدة. فعندما تشاهد طفلاً سميناً فلا تتوقع أن هذه السمنة أتت من رغد العيش ولكنها نتيجة من نتائج التحاق الطفل بمدارس قطر. ولا يخفى على أحد ما هى الأمراض الحالية والمستقبلية التى تجلبها السمنة على الشخص مثل أمراض القلب والضغط والسكرى والمفاصل. ومع كل ما ذكرناه الا ان المجلس الأعلى للتعليم اذن من طين واذن من عجين ولم يتفاعل التفاعل الايجابى المطلوب. أما الدول الجادة مثل فرنسا فقد قامت بمنع الواجبات المنزلية من المدارس الفرنسية. وقدم فرانسو أولاند، رئيس فرنسا، اقتراحا على وزارة التعليم، بأن تنتقص من اليوم الدراسى، على أن يزيدوا أيام الدراسة يوما آخر، فيصبح خمسة أيام، بدلاً من أربعة أيام، كباقى نظم التعليم العالمية، لأنه يرى أن فرنسا "لديها أقصر سنة دراسية وأطول يوم دراسى فى أوروبا". وبدوره أعلن وزير التعليم الفرنسى، أن اليوم الاضافى سيتضمن الكثير من الأنشطة الدراسية حتى لا يكون عبئا على الطلاب، ومن الأنشطة المقترحة المسرح أو قضاء عدة ساعات فى المكتبة للقراءة الحرة أو ممارسة الرياضة المفضلة أو الموسيقى. أما الصين فقد أعلنت منذ عدة أسابيع قيامها بالغاء الواجبات المنزلية عن الطلبة فى المدارس الصينية وذلك، كما أعلنه المسئول الصيني، لكبح جماح المعلمين من اعطاء الطلبة الكثير من الواجبات المدرسية مما خلق ضغوطاً على الطلاب لا داعى لها والاستعاضة عنها بزيارة المتاحف والمكتبات والتدريبات العملية من خلال الحرف اليدوية. وتفيد تقارير صادرة عن الصين عام 2011 بأن ثلاث فتيات صغيرات قتلن أنفسهن بسبب الاجهاد المتواصل بالمدرسة والواجبات المدرسية.

ان الطفل فى قطر هو فى حكم "المسجون". فمعظم ساعات النهار نجده مكبلاً على مقعده فى الصف ويلاحقه هذا الحكم الى البيت مما يحرمه من استثمار ساعات ما بعد المدرسة فى ممارسة الأشياء التى يحبها. وهذا يعتبر انعكاسا خطيرا لخلل أصاب النظام التعليمى فى قطر. فالمدرسة الجيدة التى تقدم تعليماً مناسباً ليست فى حاجة للطلب من طلابها بعمل الواجبات المدرسية. ولكن مشكلتنا أن المدارس مطالبة بانهاء حجم هائل من الكتب الدراسية وهى أكبر من طاقة المعلم فى حين أن الوقت، كما يزعمون، قصير. حتى لا تفشل المدارس فى مهمتها فقد رمت مشكلتها على الطالب وأسرته عن طريق الواجبات المدرسية وأصبح لزاماً على الأسرة الاستعانة بمعلمين خصوصيين حتى للمراحل الابتدائية، لأن المناهج التى تدرس الآن ليست نفس المناهج التى تعلم عليها الآباء والأمهات مما أثقل كاهل الأسر بمصاريف لا داعى لها.

ان الواجبات المدرسية الكثيرة سرقت أحلام الأطفال فى قطر ومنعتهم من توسيع مداركهم والتفاعل المجتمعى مع أسرهم وجيرانهم، وفى نفس الوقت تعلمهم الغش على أصوله منذ نعومة أياديهم. فالطفل الخائف من المدرس الذى نسى من كثر ما أعطى من واجبات من حل أى واجب مدرسى يقوم خلال دقائق معدودة بنقل الواجب من أحد زملائه وماذا تكون النتيجة يقوم المدرس، لعدم معرفته بما قام به الطالب، بشكره ورصد درجات لصالحه عما قام به من غش. ويتكرر الغش ويتكرر الشكر. وتخيل ماذا يمكن أن يجنى المجتمع من طفل مثل هذا النوع عندما يكبر ويلتحق بوظيفة مسئولة.

نحن نعلم علم اليقين بأن المعلمين سيكونون هم أول المطالبين بعدم اعتماد الغاء الواجبات المدرسية وتعديل اليوم المدرسى فى النظام التعليمى القطرى بحجة أن مثل هذا الأمر سيقوض جهودهم فى احتفاظ الطلاب بما تعلموه. ونحن لا نلومهم لأن هذا الأمر سيخلق ضغطاً كبيراً عليهم ومسئوليات أكبر لاداء رسالتهم بنجاح. فالمدرسة فى هذه الحالة ستكون محاسبة لعدم انهاء الكتاب المدرسى وبدورها سترمى بالمسئولية الكاملة على المعلمين الذين لم يستطيعوا تدريس كامل الحشو بالكتاب المدرسى للطلاب بالفترة الزمنية المحددة. نحن، على أيامنا السابقة، درسنا على مناهج دول عربية أخرى وكانت تلك المناهج دسمة للغاية ومع ذلك تمت تغطية المنهج بالكامل من خلال المدرسة والمعلمين ولم يتطلب اى كم هائل من الواجبات المدرسية.

وفى الختام نطلب من المجلس الأعلى للتعليم أن يرحم الأطفال فى قطر وأن يرجع لهم بسمتهم وتفاعلهم ليس فقط فى المدرسة بل فى مجتمعهم ككل وألا يهدر أوقاتهم فيما لا يسمن ولا يغنى من جوع. وعلى المجلس، فى نفس الوقت، أن يراجع المناهج والكتب الدراسية لحذف ما يعتبر حشواً لا داعى له وذلك بهدف تقليل اليوم المدرسى والغاء ما يسمى بالواجبات المدرسية ان لم يكن كلها فعلى الأقل جزءاً كبيراً منها.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع