حسبي الله على قانون التقاعد

 

حسبي الله على قانون التقاعد

ببالغ الأسى والحزن وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقيت خبر قرب وفاة قانون التقاعد رقم (24) لسنة 2002. وأتقدم إليكم بتعازينا القلبية الحارة، وأذكركم أنه ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مُصيبتي واخلف لي خيراً منها" إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها. وقبل الدخول في الموضوع يجب أن أشير إلى أنني بنيت هذه المقالة على ما وصلني من معلومات متنوعة من أشخاص، قطريين وغير قطريين، يحبون الوطن والمواطنين ويتمنون الخير لجميع من يسكن على هذه الأرض الطيبة.

إن قانون التقاعد الجديد ـ على حد ما علمت ـ به أمور طيبة محدودة مثل أن الراتب التقاعدي، بالإضافة إلى الراتب والعلاوة الاجتماعية، سوف يشمل بدل السكن وطبيعه العمل. ولكن حز في قلوب المستشارين وأغمهم أن يحصل المواطن على هذه الإضافات فتفتقت أذهانهم على طرق عجيبة لإنقاص المعاش. ففي الأولى: يتم حساب المعاش بالمعادلة التالية: راتب حساب المعاش × 33. 3 % × مدة الخدمة. ولتقريب الصورة أكثر نعطيكم مثال: شخص راتبه 000. 20 ريال ×3.33 % = 666 ريالا × 20 سنة خدمة = راتبه التقاعدي الأساسي 320. 13 ريالا. يعني طلع المواطن خسران حوالي 700. 6 ريال قطري. أما الثانية: رفع سن التقاعد إلى 67 سنة للرجل و62 للمرأة، وأي إحالة للتقاعد قبل بلوغ هذا السن سوف ينتج عنها خصم 2.5 % من معاش المتقاعد فرق العمر عن كل سنة (كانت في القانون السابق 2 % فقط). ولقد حدد القانون أن أدنى حد للخدمة هو 20 سنة وأعلى حد هو 30 سنة. يعني لو اشتغل القطري بعد خروجه من الجامعة مباشرة وخدم 30 سنة فعندها لا يخير بل يجبر على التقاعد. ومستحيل أن يصل عمره في الحد الأعلى إلى 67 سنة وهذا سيعرضه للخصم الأكيد من راتبه التقاعدي عن فرق العمر. والثالثة: زيادة نسبة خصم الاشتراك الشهري على المواطن من 5 % من الراتب والعلاوة الاجتماعية لتصبح 6 % من جميع ما يستلمه المواطن شهرياً. أما الرابعة: تم حساب قيمة الاشتراكات السابقة على أساس آخر راتب للمواطن مع أنه لم يستلم في سنين عمله السابقة نفس حجم الراتب الذي يستلمه الآن. ونأتي إلى الخامسة: وهي سرقة حقوق المواطن القطري في مكافأة نهاية الخدمة التي هي في القانون الحالي "كل ما يزيد عن 20 سنة" لتصبح "كل ما يزيد عن 30 سنة". أي أن القانون سيسرق 10 سنوات كاملة كد وكفاح المواطن. وهذا في حكم الشرع والدستور والقوانين الوضعية الأخرى يعتبر سرقة واضحة لمدة خدمتهم. فتخيلوا حجم سرقة أموال المواطنين القطريين الذين تصل أعدادهم لعشرات الآلاف من المحالين للتقاعد أو ممن سيحولون للتقاعد مستقبلاً. أما الطريقة العبقرية السادسة فهي سرقة الأموات من المواطنين: إن الاشتراكات في صندوق التقاعد، وكما هو معروف، تخصم من أموال المشترك طيلة فترة عمله وبما أنها أموال الشخص الخاصة فإنها تخضع لأحكام الدين في المواريث، ولكن قانون التقاعد الجديد ضرب عرض الحائط أحكام المواريث في الإسلام. فالزوجة والبنات لهن نصيب مالم يتزوجن والأبناء حتى يبلغوا من العمر 21 سنة. فالقانون حكم على أهل المتوفي بحرمانهم من الميراث الذي أقره الشرع. ونص القانون على أن يعود الراتب التقاعدي حسب الأنصبة للأم والبنات إذا طلقن أو ترملن والابناء إذا أصابهم العجز. والعجيب أن القانون يحرم الأرملة من معاش زوجها المتوفي إذا تزوجت ونفس القانون يبيح للزوج التمتع بمعاش زوجته المتوفاة حتى لو تزوج أربع زوجات من بعدها. فعلاً إن الذي أعد القانون يحب (الخير) للمواطنين لأنه يتمنى النكبات لورثة المتوفي حتى يصرف لهم المعاش.

وحتى تتم حماية الهيئة من المشاركين المشاكسين الذين يعرفون حقوقهم وامتيازاتهم فقد أنشأ القانون الجديد لجنة في الهيئة لفض المنازعات التي قد تحدث ومنحوها القوة النهائية في اتخاذ القرار وهذا يعني أنه إذا تضرر أي شخص من الهيئة لا يستطيع الذهاب للمحكمة لإظهار الحق. لأن المحكمة، وبقوة هذا القانون، ليس لها الصفة في النظر بالقضايا التي ترفع على الهيئة،

في الحقيقة كنت أعتقد ـ قبل معرفة ما بهذا القانون من نكبات ومصائب ـ أن دولة قطر غنية جداً لكبر حجم المساعدات التي تصرفها للدول الشقيقة والصديقة وأيضاً لكبر حجم الرواتب والامتيازات التي تصرف لغير المواطنين، ولكني تفاجأت بأن القانون الجديد يعتبر الدولة فقيرة، لأن جل تركيز بنوده كانت تهدف لتحصيل أكبر مبلغ ممكن من ظهور المواطنين والتأكد في الوقت نفسه بعدم خروج أي مبلغ لمستحقيه إلا بشق الأنفس، وإذا خرجت فإنها يجب أن تخرج ناقصة عن طريق الخصومات من الراتب الأساسي، ومن فرق العمر، ومن مكافأة نهاية الخدمة، ومن حساب طريقة تسديد الاشتراكات السابقة، ومن المواطن المتوفي. وكل ذلك بطريقة رسمية وقانونية.

وفي الختام نقول هذا ما وجدناه من المناقشات السريعة لقانون التقاعد الجديد، وربما لائحته التنفيذية، التي لم أطلع عليها، تحوي مصائب أكبر. فيا أيها المسؤولين إتقوا الله في هذا الشعب الذي وثق بكم ولا تمعنوا في قهره، ولا بمخالفة دستور بلاده، فأنتم بهذا الأسلوب تسيئون إلى الوطن والمواطن.

والله من وراء القصد،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع