الإسلام ودوائر المساعدات

 

الإسلام ودوائر المساعدات

سئلت من بعض الأصدقاء: لماذا تقف موقف المهاجم للجمعيات الخيرية التى ترسل أموال الزكوات والصدقات للخارج بدلاً من مساعدة الفقراء والمحتاجين بالداخل وفى نفس الوقت تشجع بارسال المساعدات للدول التى تضررت جراء الفيضانات مثل السودان أو للاجئى سوريا فى مخيمات بعض الدول المجاورة لها؟ أليس هذا تناقضا فى رأيك؟ قلت لهم ان هناك فرقاً كبيراً بين الحالتين.

اننا نستطيع تسمية الاسلام باسم دين العلاقات وهو فعلاً كذلك. ويأتى على قمة هذه العلاقات علاقة الانسان بربه وبعدها بوالديه وهلم جرا. أما فى مجال العلاقات الانسانية فقد قسمها الاسلام الى دوائر كقوله تعالى "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ اِحْسَانًا وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.." النساء: 36، وتتوزع الدوائر، كفهمى لهذه الآية وغيرها من الآيات والأحاديث الشريفة، الى: 1. دائرة أهل بيته. 2. وذوى القربى. 3. والحى الذى يسكنه. 4. والمدينة التى يسكنها. 5. والمدن والقرى المجاورة. 6. وأهل البلد الذى يعيش فيه. 7. والدول المسلمة التى تجاوره. 8. والدول الاسلامية الأخرى. 9. والدول الصديقة. 10. والدول الأخرى. ويجب أن تخصص الصدقات والزكوات، كفهمى للاسلام، للدائرة الأولى وعند حصول الاكتفاء فى هذه الدائرة يتم الانتقال الى الدائرة التى تليها ولا تخرج منها الا بعد حصول الاكتفاء. وبناءً على ذلك فان تغطية احتياجات الداخل وستر حال المعوز بترتيب تلك الدوائر تصبح ضرورة وأجرها، فى وجهة نظرى الخاصة، أفضل من بناء مسجد. أما فى وقت الحروب والكوارث والنكبات فيتم تعطيل قانون الدوائر فيجب، وليس فقط مستحب، القيام باغاثة الملهوف.

من الصفات التى ذكرتها أم المؤمنين خديجة رضى الله عنها لتهدىء روع النبى صلى الله عليه وسلم عند نزول الوحى عليه أول مرة أنها قالت له "كلا والله ما يخزيك الله أبدًا.. انك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق". وفى حديث شريف عن حق الطريق "وتعينوا الملهوف، وتهدوا الضال" فقدم الملهوف على هداية الضال، سواء ضال عن الطريق أو عن الدين. ان الذى يطلب العون قد يكون مظلوماً أو عاجزاً أو مكروباً، وفى كل الأحوال فان اعانته وقضاء حاجته فيها تفريج لكربته، وفى مقابل ذلك تكفل الله لمن فرج كربة الملهوف أن يفرج عنه كربة من كربات يوم القيامة. وموسى عليه السلام ليس ببعيد عن ذلك فيخبرنا ربنا "وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ" القصص: 23. فماذا فعل موسى فى هذه الحالة "فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى اِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ اِنِّى لِمَا أَنزَلْتَ اِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ" القصص: 24. لقد أغاثهما موسى ثم ذهب يدعو ربه فقدم اغاثة الملهوف ذى الحاجة على مناجاة ربه.

والجمعيات، التى يطلق عليها، الخيرية والموسيرين من المواطنين يتنافسون فى اخراج ما لديهم من صدقات وزكوات وأموال فائضة الى الخارج متناسين المكروبين وأصحاب الحاجات حسب ترتيب دوائر المساعدات التى ذكرت سابقاً وذلك لتعمير المساجد. مع العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الأرض كلها مسجد الا المقبرة والحمام"، وفى حديث آخر قال رسولنا الكريم "جعلت لى الأرض مسجداً وطهوراً" أى يجوز الصلاة فى أى بقعة على الأرض. لو ان تلك الأموال ذهبت لحفر بئر يستسقى الناس المحتاجين منه أو لاقامة مستشفى لعلاج الناس لكان هذا الأمر لا خلاف عليه لأنه يدخل فى باب اغاثة الملهوف. فبالله عليكم: ما هى فائدة المسجد لأناس يفتك فيهم وفى مواشيهم العطش أو فائدة المسجد لأناس أقعدهم المرض، مع العلم بأن مكة المكرمة، المترامية الأطراف الآن، أنشئت، فى تلك الفترة، على بئر ماء واحد فقط.

ان اغاثة الملهوف واعانة المحتاج هى من قبيل شكر الله تعالى على نعمه التى لا تعد ولا تحصى، وبالشكر، كما هو معروف، تدوم النعم. واننى أعيب على الجمعيات الخيرية تضييع الأموال الطاهرة فى مشاريع بناء المساجد أو ترميم المساكن التى هدمت من قبل أصحابها ومشاريع أخرى مشابهة، فى حين أنه يتواجد عندنا فى قطر أناس مقهورون لا يجدون قوت يومهم ويتم اذلالهم من قبل الحكومة برواتب تسمى الشئون الاجتماعية وأناس مهددون كل يوم بسقوط أسقف منازلهم القديمة عليهم ولا يجدون الأموال اللازمة لصيانتها. والكثير ممن هم على هذه الشاكلة من المواطنين وصفهم رب العالمين بقوله ".. لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ اِلْحَافًا.." البقرة: 273. وهؤلاء أرى لزاماً، يا جمعيات خيرية، مد العون لهم بدلاً من تضييع الأموال بالخارج.

وفى الختام نقول للجمعيات الخيرية ولكل الموسرين من المواطنين اتقوا الله فيمن يسكن على هذه الأرض الطيبة. وأقدم، فى هذا المقام، جزيل الشكر والتقدير والامتنان لسمو الأمير المفدى الذى أمر، عندما كان ولياً للعهد، بصيانة أو هدم واعادة بناء جميع بيوت الشباب والعجزة فى المناطق الشمالية من البلاد مجاناً وعلى حساب الدولة. قال تعالى ".. وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ" المطففين: 26

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع