محاسبة المخطئ

 

محاسبة المخطئ

قال سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثانى أمير البلاد المفدى فى خطابه التاريخى للشعب القطرى بتاريخ 26/6/2013 "اذا وظفنا استثمارات كبرى ولم نحصل على نتائج ملائمة فلا يجوز المرور على ذلك مرور الكرام (ولا يحدث ذلك الا) اذا حصل سوء تخطيط أو سوء ادارة" وأضاف سموه "واذا رفعت تقارير غير صحيحة وغير ذلك من الأمور.. لا يجوز التستر عليها وتحتاج الى معالجة فورية". وقبل الدخول فى صلب فى الموضوع يجب أن نبين موقف الاسلام من تصحيح الأخطاء. فقد قال الله تعالى مخاطباً النبى المعصوم عليه الصلاة والسلام "عَبَسَ وَتَوَلَّى{1}أَن جَاءهُ الْأَعْمَى{2}...". ولما تنازع بعض الصحابة بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم وارتفعت أصواتهم نزل قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ.." الحجرات: 2. والقرآن الكريم مليء بالآيات التى تصحح أخطاء الناس. ومعالجة الأخطاء وتصحيحها من النصيحة فى الدين الواجبة على جميع المسلمين، مع ملاحظة أن دائرة الخطأ أوسع من دائرة المنكر فالخطأ قد يكون منكرا وقد لا يكون. وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فان أهون عليكم فى الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية"

والخطأ من طبيعة البشر لقوله صلى الله عليه وسلم "كُلُّ بَنِى آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ". ولهذا نستطيع تحديد نوع الخطأ بثلاث حالات. 1. خطأ عن جهل وبنية سليمة استعمالاً لحق مقرر بمقتضى الشريعة الاسلامية أو القانون (قانون العقوبات مادة 47) فقد يكون الشخص قام بالاجتهاد ولكنه أغفل عن غير عمد جانبا من الجوانب التى تؤثر على القرار، وصاحبه لا يؤثم بل له أجر الاجتهاد. 2. خطأ تحت تأثير غلط فى الوقائع، تحددت مسؤولية الجانى على أساس الوقائع التى اعتقد وجودها، اذا كان من شأنها أن تنفى مسؤليته أو تخففها، بشرط أن يكون اعتقاده قائماً على أسباب معقولة، أو بسبب اهماله أو عدم احتياطه، فيسأل عن جريمة غير عمدية (قانون العقوبات مادة 36). 3. خطأ عن علم وصاحبه يجب أن يحاسب حساباً يتناسب مع حجم الخطأ. وقد أمرنا ربنا بالعدل وعدم المحاباة فى التنبيه على الأخطاء فقال تعالى ".. وَاِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ.." الأنعام: 152 وقال "وَاِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ.." النساء: 58. ولكن بعض الناس، هداهم الله، لا ينكر الخطأ اذا صدر من قريبه أو صديقه وربما يتغاضى عنه، بس يا ويل غيره اذا أخطأ مثل قول الشاعر:

وعين الرضا عن كلّ عيب كليلة *** ولكنّ عين السُّخط تُبْدى المساويا

ان الأخطاء وللأسف كثيرة وكبيرة وكلما تقدم بنا الزمن كنا نعتقد أن الأخطاء ستقل ولكنها وللأسف تزيد كأننا لا نكتسب خبرات من تجارب الماضي. ونسرد لكم بعضا من هذه الأخطاء وليس كلها. فمثلاً تأخر تنفيذ الكثير من المشاريع بالدولة، تصميم الطرق والشوارع وعدم وجود تنسيق بين أجهزة الدولة عند تنفيذ أى موقع، خطأ فى تحديد القدرة التشغيلية للصرف الصحي، خطأ فى توفير العدد المناسب للمواقف بالمرافق الهامة، تأخر الدفع للشركات حتى يفلس أصحابها، صرف بدلات اجتماعات عن اجتماعات فى وقت الدوام الرسمي، الأخطاء الطبية، عدم ربط التجار الجشعين وتركهم يعيثون فى الأرض فساداً، عدم تقدير المصاريف الحقيقية لرواتب الشئون الاجتماعية، الأرقام القديمة وغير الموثوقة من جهاز الاحصاء، تكرار ترسية الأعمال على نفس الشركة الفاشلة، تعطيل مصالح الناس باصدار قوانين لا تفعل بعض موادها مثل قانون التقاعد والمعاشات والموارد البشرية، ومن الأخطاء ان المنافقين لهم الدرجات العليا والصادقين يتم ابعادهم، ومن الأخطاء الاستماع للمطبلين والمزمرين وترك أصحاب الخبرات والصادقين وتشكيل اللجان من الربع وليس من أصحاب الكفاءات.

ان أول طريق علاج الخطأ هو الاعتراف به ولقد أعجبنى معالى رئيس مجلس الوزراء السابق عندما صرح بأن بعض محطات الصرف الصحى التى انتهت مؤخراً تبين ان طاقتها الاستيعابية وصلت الى السقف رغم انها جديدة، معترفاً بأنه "توجد اخطاء وهنالك لجان تدرس كل هذه الاخطاء وسوف نتلافاها" وكنت أتمنى أن يضيف معاليه "بأننا سنحاسب من قام بهذا الخطأ". ففى هذه الحالة فربما قام المهندس بتصميم المحطة بناء على قصور منه فعندها تصبح محاسبة المهندس أساسية أو ربما بنيت الدراسات على أرقام خاطئة من جهاز الاحصاء وهنا لابد من محاسبة الجهاز.

وبما أن دولة قطر هى دولة قانون ومؤسسات فعليه يجب أن يسود القانون على الكل.. ولهذا يجب ان يحاسب كل مخطيء سواء كان كبيراً فى المقام او صغيرا. وليست المحاسبة انقاصا من الاحترام بل هى احترام للقانون والناس التى أكلت حقوقها بالباطل. واذا اراد أى انسان ان نحترمه فعليه أن يحترم نفسه ويلتزم بحقوق الاخرين ويؤدى ما عليه من الواجبات وبدون ذلك ستعم الفوضى فى أرجاء البلاد وهذا يتنافى مع المنطق ويتنافى مع الاعراف والشرع الاسلامي

وفى الختام نسأل رب العالمين ألا نكون ممن وصفهم رسولنا الكريم" اذا سرق فيهم الشريف تركوه، واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد". نسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا رشدنا وأن يقينا شر أنفسنا انه سميع قريب مجيب الدعاء

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع