نكبة التعليم المستورد

 

نكبة التعليم المستورد

قام المجلس الأعلى للتعليم هذا العام بسرقة فرحة الناس لأنه أدخل الأحزان والأتراح في كل بيت من بيوت أهل قطر الطيبين، والسبب في ذلك نسبة الرسوب الكبيرة في كل المراحل التعليمية ما عدا الصفوف الأولى من الصف الأول إلى الصف الثالث. وحتى نفهم ما يجري على الساحة التعليمية في قطر فإنه لزاماً علينا أن نتطرق إلى التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي عام 1983 صدر تقرير الرئاسة الأمريكية بعنوان "أمة معرضة للخطر" يحذر من عدم صلاحية نظام التعليم الأمريكي لإعداد المواطن وطالب بزيادة الاهتمام بالرياضيات والعلوم واللغة الانجليزية (لغتهم القومية) وإطالة اليوم الدراسي. وبحسب التقرير فإن مشكلة التعليم ترجع بالدرجة الأولى إلى انخفاض المستويات الأكاديمية للمعلمين وتدني نوعية التدريس. وعليه فقد تم اتخاذ الخطوات اللازمة لتدريب المعلم على ثلاثة مجالات رئيسية، وهي: مجال الثقافة العامة ومجال الثقافة الخاصة ومجال الثقافة المهنية، وإجبارهم على التدريب المستمر أثناء الخدمة ولا يسمح بتعيين أي معلم والسماح له بممارسة التدريس إلا بعد حصوله على شهادة من المجلس القومي للمعلم. وفي نفس الوقت ولمعالجة نوعية التدريس فقد قامت الحكومة الأمريكية: 1. إعداد منهج خاص لكل مرحلة دراسية وقام بإعداده متخصصون في المادة وأساتذة الجامعات من المتخصصين في التربية مع إتاحة الفرصة للحكومات المحلية والمدارس بقدر معين من المشاركة. 2. اعتماد ثلاثة أنواع من التقييم: ا. الترفيع الآلي للمرحلة الإبتدائية. ب. امتحانات نظامية. ج. امتحان نهاية المرحلة الثانوية. 3. خلق توازن بين النشاط المدرسي والنشاط الخاص ولهذا قسمت السنة الدراسية إلى 180 دراسة فعلية و186 يوماً إجازات متنوعة منها 90 يوماً إجازة الصيف. وقامت أمريكا في عام 1998، بعد كل الخطوات السابقة، بتنفيذ التقييم الوطني (أو ما يعرف باسم الاختبار الموحد) لقياس مستوى التحصيل لدى الطلاب بكل المراحل بهدف وضع مجموعة من الأهداف للمعلمين وللمسؤولين لتوفير التطوير التعليمي المطلوب. وعلى نتيجة التقييم الوطني إما أن يستلم المعلمون والمديرون الهدايا أو يتم طردهم، وإما ينجح الطلاب أو يبقوا في صفوفهم الحالية.

وعندما تبنت دولة قطر النظام الأمريكي التعليمي، مع أن بعض نواحيه إيجابية، فهي، من وجهة نظري، قد ارتكبت خطأ جسيماً في حق المجتمع القطري لأنها أخذت اسم هذا النظام وتركت روحه وقلبه النابض. إن إصلاح التعليم في قطر يجب أن يكون شاملاً وليس جزئياً ويبدأ من فصول الدراسة في قطر وأن التعليم قضية مجتمعية لا تحل مشكلاته إلا بالمشاركة الجماعية، وإصلاح أمره مسؤولية المجتمع وليس من مكاتب المسؤولين، إن منح مرونة بالإدارة التربوية والتعليمية ومنح أولياء الأمور دوراً في النظام التعليمي وتأسيس مجالس تعليمية على الطريقة الأمريكية هو أفضل وسيلة للإسراع بعملية التغيير وتنمية الأهداف التعليمية ولكن الفرق بيننا وبينهم أنهم يعرفون إلى أين هم ماضون وما هي النتائج التي يريدون الحصول عليها بينما نحن في قطر، حتى الآن، لا نعرف أبسط الأمور وهي ماذا يريد أبناؤنا أن يتخصصوا فيه. وفي نفس الوقت فإن هذا النظام المستورد المرتكز على إعطاء المدرسين ومديري المدارس الصلاحيات المطلقة في إدارة العملية التعليمية قد خلق عندنا بيئة فاسدة يتم على أساسه ترفيع العديد من الطلبة للمستوى الدراسي الأعلى بدون وجه حق. وهذه البيئة الفاسدة لم تظهر على السطح إلا عندما قام المجلس الأعلى للتعليم في تنفيذ وتصحيح ومراقبة الاختبارات. وكانت النتيجة الحتمية من ضعف إعداد الطلاب التعليمي بالمدارس المستقلة هو رسوب أعداد كبيرة منهم. وحاول المجلس تصحيح الوضع بمكافأة الطلاب بعلامات وهمية ولكن حتى مع هذه العلامات الإضافية لم ترقع الحقيقة وكما يقول المثل "الشق أكبر من الرقعة". ونأتي إلى السؤال البريء: إن نتيجة التقييم الوطني في النظام الأمريكي هي، في المقام الأول، على المعلمين والإدارة المدرسية إما أن يتسلم المعلمون والمديرون الهدايا أو يتم طردهم.. فهل سيتم هذا الأمر؟ أم ستكون النتائج السلبية لهذا التقييم على أبنائنا فقط؟

وإنني أعيب على المجلس ثلاث نقاط خطيرة. أولاها: قيامه بالغش والتدليس في نتائج الامتحانات بمنحه الطلبة درجات وهمية لتزييف الأمر الواقع بهدف تقليص نسبة عدد الراسبين. ثانيها: الضحك على الطلبة الراسبين بالوعود الكاذبة لتمييع الوضع ولامتصاص غضبهم عن طريق تقديم طلب تظلم من الرسوب نتيجته معروفة سلفاً وهي الرفض. ثالثها: هروب واحتجاب الوزير عن مقابلة الطلبة وأولياء أمورهم وتحويلهم لأطراف أخرى لا يملكون القرار وكان من المفروض بعد أن وصلوا إلى باب مكتبه أن يخرج لهم ويجتمع معهم ويطيب خاطرهم حتى ولو بكلمة تجبر مصابهم الجلل المتمثل بضياع سنة كاملة من عمر أبنائهم.

وفي الختام فإنني من المطالبين بالتغيير للأفضل ولكن ليس بهذا الشكل المشوه وكنت أتمنى بقاء وزارة التربية والتعليم لأنها تملك الأدوات اللازمة للتأكد من مسار كل مدرسة ومدرس وفق ما رسم وحدد في الخطة التعليمية. وفي هذا نأمل من الجهات المسؤولة النظر مراجعة المكتسبات السابقة ومقارنتها بالحالية ولنأخذ بأحسن ما في النظامين لما فيه صالح البلاد وصالح أجيال المستقبل علماً أن بعض الولايات في أمريكا قد استبدلت، وعلى نطاق واسع، الاختبارات الوطنية باختبارات التدرج التي كان معمولاً بها في السابق.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع