التداخل والازدواجية والأجهزة الحكومية

 

التداخل والازدواجية والأجهزة الحكومية

قبل بداية مقال هذا اليوم أقدم الشكر الجزيل لمؤسس قطر الحديثة وباني نهضتها سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الأمير الوالد حفظه الله على ما قدمه من جهد كبير وسعي مشكور. وأبارك لسمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى على تسلمه مقاليد الحكم في البلاد وكلنا ثقة بأن سموه سيواصل مسيرة العطاء. ونبارك للشعب القطري حصولهم على ولي أمر شاب متطلع لمزيد من العطاء لصالحهم. ونسأل العلي القدير أن يكون يوم قطر خيرا من أمسها وغدها أفضل من يومها.

لقد أعددت، في فترة سابقة، مقالة أشكر فيها، باسم المجتمع القطري، معالي الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية على كل مجهود بذله ويبذله في صالح البلاد والعباد. ولكن ما حدث يوم الثلاثاء الماضي أجبرني على تأجيل تلك المقالة لموعد آخر يكتبه لنا رب العالمين.

قال سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى في خطابه التاريخي للشعب القطري بتاريخ 26/6/2013 "وسوف نعلن في الوقت المناسب عن خطط لإعادة هيكلة الوزارات لتقليل الازدواجية". إن تلك الكلمات هي برنامج حقيقي لتطوير القطاع الحكومي، يهدف لتحسين أداء الوزارات، والمؤسسات الحكومية، وتوجيهها للعمل نحو الأهداف الإستراتيجية المتوسطة وبعيدة المدى. ونحن بدورنا نشد على يد سمو الأمير المفدى للمضي في هذا النوع من التوجه المحمود والإصلاح المطلوب. لأن تحقيق واستدامة النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي والسياسي في قطر يعتمد بشكل أساسي على مقدرة وفعالية إدارة الوزارات والمؤسسات الحكومية للسياسات والبرامج التنموية المختلفة، بهدف رفع معدل الرفاهة الاجتماعية ومستوى إحساس الفرد بالأمان.

إننا أمام قضية، كما حددها سمو الأمير المفدى، تمس مستقبل البلد وتقدمه وإذا لم تعالج مثل هذه القضايا فإن القطاع الحكومي في قطر سيواجه تحديات تتمثل في: 1. تركيز المؤسسات الحكومية على العمليات والإجراءات أكثر منه على النتائج. 2. انشغال القيادات العليا بأمور إدارية تنفيذية. 3. قلة الوقت المتاح للتخطيط الإستراتيجي ووضع السياسات. 4. ضعف مستوى التنسيق بين المؤسسات الحكومية في تعاملها مع القضايا والمواضيع والخدمات التي تشترك فيها أكثر من مؤسسة وازدواجية المهام والمسؤوليات. 5. عدم تخصيص الموارد المالية والبشرية تبعا لأهداف إستراتيجية. إن الدستور القطري واضح فقد حدد في المادة (123) بأن "رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون بالتضامن أمام الأمير عن تنفيذ السياسة العامة للحكومة، وكل منهم مسؤول مسؤولية فردية أمام الأمير عن أداء واجباته وممارسة صلاحياته". ولقد حددت القوانين صلاحية كل وزارة أو هيئة في أداء عملها. والمتتبع لمسيرة الإصلاح الإداري والتنموي والمالي بالدولة يجد أن الخطط التي رسمها سمو الأمير الوالد لا يتم اتباعها إلا فيما ندر، ليس بسبب عدم إطاعة أوامر سموه وتوجهاته وليس بسبب القصور العلمي والتنظيمي لمنتسبي القطاع الحكومي، ولكن بسبب التداخل والازدواجية في عمل الأجهزة الحكومية، وتتنصل كل جهة من القيام بما هو مطلوب بحجة أنها تقع في اختصاص جهات أخرى وبالأخص عندما يتطلب الموضوع اتخاذ أي قرار مهما كان نوعه. إن استمرار مثل هذا التداخل يعني في أبسط صوره أنه: 1. لا يوجد تعاون بين الوزراء. 2. الوزراء يبحثون عن الروتين الطويل والممل حتى لا يرتكبوا أي خطأ يؤدي إلى عزلهم. 3. عدم القدرة على إنهاء المشروعات المفتوحة التي تخدم المجتمع وتزيل المعاناة حيث انها تتطلب اتخاذ قرارات. 4. تعقيد تقديم الخدمات بما يصعب الحياة اليومية للمواطنين في التعامل مع أجهزة الدولة.

إن الخبراء والمستشارين الأجانب، في فترة سابقة، ولغرض ما في أنفسهم، حاولوا حل هذه المشكلة ولكن ليس عن طريق إعادة هيكلة الجهات التي يتميز عملها بالتداخل والازدواجية، ولكن عن طريق تبني فكرة "الجهاز الحكومي الموازي". التي تستند إلى إنشاء هيئات ومؤسسات حكومية ذات استقلالية مالية وإدارية. ورغم أن هذه الفكرة في مضمونها جيدة إلا انها تسببت في خلق مزيد من الإزدواجية، وعدم المبالاة، وعدم الانتماء، والحقد وكراهية العمل، وكانت بحق بوابة لإهدار المال العام. وفي نفس الوقت زاد عدد الموظفين القطريين المحالين إلى البند المركزي. لأنهم، كما يرى الخبراء والمستشارون، هم السبب الرئيسي في تأخر النمو والتنمية بدولة قطر.

إن عملية إعادة الهيكلة المؤسسية يجب أن تهدف للوصول إلى هياكل تنظيمية واضحة تتسم بالبساطة والشفافية، وتوائم مهام الجهات الحكومية مع التخصصات الموجودة بها مع مراعاة حجم مواردها المالية والبشرية ومدى قدرتها على تنفيذ هذه المهام بكفاءة وفاعلية عاليتين وهي تأتي في إطار تعزيز مفهوم اللامركزية وتبسيط الإجراءات، بحيث يتم تطوير السياسات العملية على مستوى صناع القرار، وترك حرية ضمن ضوابط قانونية وإدارية للتنفيذ على المستويات الأخرى. إن عملية فك التداخل والازدواجية في مهام واختصاصات الأجهزة الحكومية، مهمة جداً وستؤدي حتماً إلى تبسيط إجراءات الخدمات المقدمة للجمهور، وتطوير الجهاز الوظيفي، وتوجيه الأجهزة الرقابية للعمل بالرقابة بالأهداف بدلا من الرقابة بالإجراءات، وتبني سياسة تقديم الأجهزة الحكومية لخدمة متكاملة، وأخيراً تبني الضوابط الخاصة بالشفافية.

وفي الختام أرجو أن يصاحب إعادة هيكلة الوزارات الاهتمام بالموظف القطري عن طريق إعادة تدريبه وتأهيله، وإكسابه مهارات جديدة، ورفع معدلات الأداء والإنتاجية له، وتزويده بالإمكانات التي تساعده على أداء وظيفته بدلاً — كما كان يحدث في السابق — من تحويله إلى التقاعد. نبارك لكم بالشهر الفضيل، ولنا لقاء آخر معكم، إن شاء الله، بعد رمضان.

والله من وراء القصد

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع