الأخطاء الطبية.. من يتحملها؟

 

الأخطاء الطبية.. من يتحملها؟

بين فترة وأخرى نسمع عن شخص ذهب إلى المستشفى يمشي على رجليه وخرج بسيارة الإسعاف إلى أبو هامور (المقبرة)، وآخر أجريت له عملية في رجله اليسرى في حين أن المرض في الأخرى. وشخصياً تعرضت عائلتي إلى جملة من الأخطاء الطبية كادت في اثنين منها أن تؤدي إلى وفاة والدتي وزوجتي ولكن الله سلم.. وتتعدد القصص والروايات ولكن الكل يجمع على أنها خطأ طبي ارتكبها الدكتور المعالج بسبب الإهمال في أداء واجباته، سواء كانت بقصد، أو بغير قصد. والسؤال هو: من يتحمل هذا الخطأ الطبي؟

الخطأ الطبي هو خطأ يتم ارتكابه نتيجة عدم الخبرة الكافية من الطبيب أو من يتعامل معه مثل المختبرات أو الصيدليات أو الممرضات أو نتيجة ممارسة عملية أو طريقة حديثة وتجريبية في العلاج أو نتيجة حالة طارئة أو نتيجة طبيعة العلاج المعقد. وللتدليل على حجم مشكلة الأخطاء الطبية فإن تقريراً صدر من معهد الطب الأمريكي يذكر أن ما يصل إلى حوالي 98 ألف حالة تتوفى سنوياً في أمريكا بسبب الأخطاء الطبية وقدرت تكاليفها الإجمالية بحوالي 29 مليار دولار سنوياً. إن القانون البريطاني لم يحدد عقوبة صريحة على الطبيب المعالج أما القانون الفرنسي والأمريكي فإنهما يجرمان أي خطأ طبي وللمتضرر الحق في الحصول على تعويض عادل من المؤسسة أو من الطبيب أو من كليهما. ولكن كل الأحكام التي تصدر بالحبس على الطبيب، وحسب ما أطلعت عليه، تكون لمدة لا تزيد على ستة أشهر مع وقف التنفيذ. أما قانون العقوبات القطري (قانون رقم (11) لسنة 2004) فقد أباح بالمادة (47) بأنه لا جريمة إذا وقع الفعل بنية سليمة، استعمالاً لحق مقرر بمقتضى الشريعة الإسلامية أو القانون، ومنها ممارسة الأعمال الطبية متى تمت، طبقاً للأصول العلمية المتعارف عليها في المهن الطبية المرخص بها، وبرضا المريض أو من ينوب عنه، صراحة أو ضمناً. وعلى أساس هذه المادة فإن إباحة عمل الطبيب مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقاً للقواعد والأصول العلمية المقررة لأن العمل الطبي هو عمل مشروع حتى ولو ساءت حالة المريض، ولكن إذا اقترن هذا العمل بخطأ ما سئل الطبيب عنه مسؤولية غير عمدية. بمعنى أن الطبيب غير مسؤول عن نتيجة العلاج إذا قام بأداء واجبه كاملا حسب الأصول الطبية. ولكن من يحكم على وجود الخطأ الطبي في دولة قطر. إن الإجراءات الحالية بالتحقيق في حالة الشك بوجود خطأ طبي (وفيات أو مضاعفات)، على حسب ما أرى، ليست سليمة لأن الخطأ الطبي من أي جهة يحول إلى إدارة الخدمات الطبية بوزارة الداخلية وهي جهة لا نشك في منتسبيها ولكنها تظل جهة حكومية ليست فيها الحيادية المطلوبة لمحاسبة المقصر.

ولقد حاولت الحصول على إحصائيات موثقة عن الأخطاء الطبية ولكن كل جهودي باءت بالفشل لغياب نظم التبليغ عن الأخطاء الطبية في المستشفيات بسبب قولهم "سرية معلومات المريض" ولضمان حقوق المريض والعاملين بالمنشأة الصحية. لقد أصبح من الضرورة إنشاء هيئة محايدة لمتابعة ومراقبة الجودة الصحية ويجب أن تديرها كوادر وطنية ذات مؤهلات عالية تجمع بين العلوم الطبية والعلوم القانونية لتأمين خدمة وبيئة آمنة تضمن المحافظة على سلامة المستفيدين من الخدمات الصحية وتقوم بوضع نظام متكامل للتعرف على الأخطاء الطبية التي تحدث بالمؤسسات الصحية (عامة أو خاصة) مع تحديد مسبباتها ووضع الاجراءات التصحيحية لها، وتكون حكماً محايداً تقدم تقاريرها لهيئة الشفافية والمحاكم الشرعية والإدعاء العام والإدارات الأمنية. وفي نفس الوقت تقوم بمراجعة شهادات من يتقدم للعمل والسماح فقط للأطباء الأكفاء بالانضمام إلى الفريق الطبي الذي يعمل لخدمة هذا المجتمع في القطاعين العام والخاص. وربما يقفز أحد المطبلين بالقول ان مثل التشدد وهذه الإجراءات قد تؤدي إلى كشف الكثير من الأخطاء مما قد يؤدي إلى فرض عقوبات كثيرة وكبيرة مما يرفع من قيمة رسوم التأمين ومن ثم ترتفع تكاليف العلاج الطبي. ونقول لهم ان صحة المواطن والمقيم أغلى.. إلا إذا كان أولئك يرون غير ذلك.

أما على الجانب الآخر فإن مهنة الطب، كما هو معروف، هدفها تقليل الألم وعلاج المرض لكن قد يقع الخطأ الطبي لأسباب كثيرة وأحيانا يصاب المرضى على الرغم من تقديم الرعاية الطبية المناسبة، والأطباء يرون أن الوقوع في الخطأ الطبي (شخصي أو مؤسسي) أمر غير مقصود. والأطباء بدون حماية من الأخطاء الطبية قد يترددون في علاج المرضى أو قد يحولونهم إلى أطباء آخرين لسبب بسيط أنهم لا يريدون التعرض لما تعرض له أحد زملائهم بالمهنة الذي حكم عليه أحد القضاة بسنة سجن بسبب خطأ طبي، كما قيل، غير مقصود.

ان الحكومة القطرية ماقصرت في دعم القطاع الصحي ومانقدر ننكر المليارات التي تنفق سنوياً على توفير الرعاية الصحية للمواطنين والمقيمين. ولكننا ندهش، مع كل هذا الدعم، أن الخدمات الطبية تسير من سيء إلى أسوأ وأن عدد القضايا التي تعرض على المجلس الأعلى للقضاء تزيد نسبتها سنويا ومع كل زيادة في القضايا قد نشاهد زيادة أخرى لدى الأطباء في التردد في اتخاذ العلاج المناسب وفي الوقت المناسب.

وفي الختام نقول انه من المهم إيجاد صيغة توافقية تحمي الطبيب والمريض وفي نفس الوقت أقول اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين واجعلهم في تمام الصحة والعافية واجبر بخاطرهم والله لا يحدهم للذهاب إلى المستشفيات الحكومية ولا الخاصة.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع