كروة" واحتكار سوق النقل

 

كروة" واحتكار سوق النقل

حاولت شركة محلية مرخصة من وزارة الأعمال والتجارة بنشاط النقل تسيير عدة باصات لنقل العمالة من المنطقة الصناعية إلى مركز مدينة الدوحة من مواقف خاصة بها ولكنهم تفاجأوا بحضور سيارات الجهات الأمنية واستدعاء مدير الشركة إلى مركز الشرطة وإخباره بأن هذا النشاط يعتبر حكراً على شركة المواصلات (كروة) وقامت الجهات الأمنية بتوجيه من كروة بإجبار مدير الشركة على توقيع تعهد بعدم تسيير أي باص لنقل أي شخص. وعندما وصلني الخبر قمت بالدخول على الموقع الإلكتروني لشركة كروة (لم يتم تحديثه منذ أغسطس 2012): لشركة "مواصلات" مهمة رئيسية وهي أن تكون "الشركة الرائدة إقليمياً (انتبهوا على إقليمياً) في مجال توفير خدمات النقل البري المتكاملة". إن الذي جعلني أكتب في هذا الموضوع هو استمرار احتكار (كروة) لسوق النقل العام لدولة يعتبر سوقها سوقاً إسلامياً حراً مفتوحاً لكل من يجد في نفسه القدرة على العمل. والسؤال البريء: هل كروة مؤهلة لتتولى عملية الاحتكار؟ إن عملية الاحتكار في أي بلد متقدم، كما أعرف، يخضع لثلاثة شروط ويجب أن تتواجد مجتمعة وليست منفصلة. وهذه الشروط هي: 1. أن تغطي الخدمة حاجة السوق بالكامل أو تزيد. 2. أن تكون الخدمة المقدمة بجودة الخدمات المقدمة في الدول المشابهة أو أعلى. 3. أن تكون الأسعار المقدمة بنفس أسعار الخدمات المقدمة في الدول المشابهة أو أقل. ولن أحلل مدى توافر هذه الشروط بل أترك الأمر للقارئ الكريم ليقارنها بالوضع الحقيقي.

إن نشاط كروة، وحسب ما صرح به أحد مسؤوليها بالجرائد، مبني على أساس دراسة سوق (أعتقد أن الدراسة أجريت عندما كان عدد السكان 744 ألف نسمة) "بأن الحاجة من سيارات التاكسي لا تزيد على 2200 سيارة". ويضيف على ذلك "ولهذا لن نزيد عن هذا العدد لأننا لا نرغب أن يكون هناك فائض في التاكسيات يؤثر على السوق". وعندما زاد الانتقاد على الشركة بسبب ندرة وجود سيارات التاكسي في الشوارع نجد أن الشركة الحكومية قامت مقام وزارة الأعمال والتجارة ورخصت لثلاث شركات جديدة في مجال تقديم خدمات التاكسي. والعجيب أن أحد المسؤولين ذكر في تصريحه "بأن الشركات الجديدة ستتنافس لتقديم الأفضل من الخدمات". ونفسي أعرف كيف ستتنافس الشركات الجديدة وشركة كروة علماً أن التراخيص ستكون من عند كروة وأن التعرفة ستكون محددة من قبلهم.

القضية الأخرى التي استرعت انتباهي وهي كيف استطاعت كروة بالحد من المصروفات العالية للتشغيل. لقد قامت كروة بطريقة مبتكرة وجديدة للتخلص كلياً من المصروفات وتحقيق الأرباح العالية عن طريق تأجير سيارات من وكلاء السيارات العاملة في قطر يلتزم بها الوكيل بضمان صلاحية السيارات المؤجرة أو تبديلها في حالة العطل ومن بعدها قامت كروة بتأجيرها من الباطن للوافدين القادمين على كفالتها للعمل كسائقين. والنظام الذي ابتكرته كروة هو أن يعمل الوافد كسائق رسمي معتمد لصالحه مقابل دفع مبلغ يومي يبلغ 265 ريالاً قطرياً بغض النظر عما يحققه من موارد من عملية التشغيل. وحتى تضمن الشركة تحقيق أرباح لهؤلاء الذين يعملون لصالحهم فقد قامت برفع أسعار فتح الباب (بداية المشوار) من 4 ريالات إلى 10 ريالات مرة واحدة وطبعاً بدون موافقة وزارة الأعمال والتجارة. وبوجود هذه التسعيرة ولعدم معرفة هؤلاء بالمناطق والشوارع ولعدم معرفة الكثير منهم باللغة العربية كل ذلك يعطي السائق العذر الأكبر لنهب الزبون بأقصى قدرة ممكنة لتعويض ما دفعه مقدماً للحصول على السيارة. (مرة كنت متجهاً لمدينة الشمال ووجدت سائق تاكسي كروة يستوقفني ليسأل كيف يصل إلى مدينة الدوحة وكانت عندي رغبة قوية أن أقول له استمر على نفس الطريق ولكني تعوذت من إبليس وأرشدته إلى الطريق الصحيح)

وقمت بزيارة محطة النقل العام في شارع حمد الكبير وشاهدت العجب فالموقف لا يصلح لدول متخلفة فما بالك لدولة عصرية لها استراتيجية تنموية محددة الأهداف مثل قطر. فالتكدس البشري كبير واللافتات الإرشادية باللغة العربية منعدمة والخدمات الأخرى مهملة. وتحدثت مع أحد المسؤولين في المحطة عن تدني مستوى الخدمات فذكر أنه مهما قمنا بتوفير الخدمات فهي تتعطل سريعاً بسبب الاستخدام الكثيف من العمالة الوافدة فتركناها كما هي. وقبل أن أسأله عن الأسعار بادرني هذا المسؤول بأنه إذا كانت لديك أي شكوى عن الأسعار فخاطب بها مجلس الوزراء لأن أسعار التشغيل وبالأخص التاكسيات موافق عليها من قبل مجلس الوزراء.

إنه من المهم لسوق النقل دخول شركات أخرى منافسة (بدون هيمنة كروة عليها) ليكون دعما قويا للنقل العام في قطر (انظر لأثر المنافسة بين كيوتل وفودافون). إن وجود التنافس الشريف وتقديم خدمات أفضل وبأسعار معقولة سيدفع بالكثير من الناس للعزوف عن استخدام سياراتهم الشخصية في الانتقال والذي من شأنه أن يؤدي إلى التخفيف من حدة الازدحام الشديد في كل الشوارع ويمكن أن ينهي أزمة مواقف السيارات. أما إذا ظل الوضع على ما هو عليه فسوف يفكر كل شخص بشراء سيارة للاستعانة بها في تنقلاته، وهذا سوف يضاعف الازدحام وحجم أعداد السيارات الموجودة في الشوارع.

وفي الختام نقول ان السكان يلجأون لخدمات كروة مجبرين نظراً لعدم وجود البديل. أما البسطاء الذين ألجأهم ضيق ذات اليد إلى ركوب باصات كروة ألا يستحق هؤلاء تواجد سيارة إسعاف في كل موقف لنجدتهم من حرارة الشمس ومن ضربتها القاسية في شهور الصيف شديدة الحرارة.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع