منافسة الحكومة للقطاع الخاص

 

منافسة الحكومة للقطاع الخاص

نص المادة (28) من الدستور القطري كما يلي "تكفل الدولة حرية النشاط الاقتصادي على أساس العدالة الاجتماعية والتعاون المتوازن بين النشاط العام والخاص لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وزيادة الإنتاج وتحقيق الرخاء للمواطنين ورفع مستوى معيشتهم وتوفير فرص العمل لهم وفقاً لأحكام القانون" وفي أحد اللقاءات التشاورية لمعالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية مع رجال الأعمال وغرفة صناعة وتجارة قطر ذكر معاليه "انه لا توجد منافسة من القطاع الحكومي للقطاع الخاص، ولكن هذا الأخير ما يزال إلى الآن لا يلبي طموحاتنا، ونحن نحاول أن نحيي فيه الروح". إننا نؤيد معالي رئيس الوزراء بأن القطاع الخاص ما يزال إلى الآن لا يلبي طموحات دولة قطر ولكن لنسأل أنفسنا لماذا؟

إننا نعلم علم اليقين أن الحكومة، بناءً على توجيهات الدولة، تقدم دعماً كبيراً للقطاع الخاص من خلال دعم أسعار الطاقة وتقديمها للأراضي بأسعار رمزية ولكنه، من وجهة نظري الخاصة، أعتبره دعماً ناقصاً والسبب في ذلك:

• عدم منح المنتج القطري أفضلية في السعر مادام كان مطابقاً للمواصفات.

• عدم توفير التمويلات بتكلفة منخفضة من خلال بنك قطر للتنمية الذي يدعي بأنه مؤسسة غير ربحية.

• معاملة الشركات القطرية من قبل الحكومة بطريقة تشعرهم بأنهم أقل مستوى من الشركات الأجنبية.

وبدلاً من أن تقوم الدولة بتعزيز العلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص كقطاعين متكاملين وغير متنافسين يجمعهما هدف أساسي واحد هو تحقيق التقدم والنمو للاقتصاد الوطني فإننا نرى تراجعاً عن هذا الاتجاه بل درجت بعض الجهات الرسمية وشبه الرسمية على إنشاء شركات تؤدي خدمات مجتمعية ذات طبيعة تنافسية مع القطاع الخاص. إن إغلاق فرص الاستثمار في أنشطة رئيسة تتولاها الدولة وعلى الأخص في القطاع الهايدروكربوني (النفط والغاز) أو أنشطة الخدمات والمرافق العامة، سيؤدي حتماً إلى تدني مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. وإن الأمثلة على منافسة القطاع العام للقطاع الخاص عديدة ولكن ليس من أهدافنا نشر أسماء تلك الشركات الحكومية ولكن الهدف الرئيس هو السعي نحو تحسين فعالية وجودة الخدمات عن طريق المنافسة الشريفة والمشاركة الحقيقية والإيجابية بين القطاعين العام والخاص. إن هذا التوجه الحكومي في إنشاء الشركات قد أدى إلى إعاقة تقدم الدولة نحو تنفيذ الاستراتجيات والخطط التي تم تحديدها من قبل قيادة البلاد. فالقطاع الخاص يواجه مشقة حقيقية عند مواجهة سيطرة القطاع العام وتغلغله في النشاط الاقتصادي، وبالأخص عندما يتعلق الأمر في التقدم للمناقصات والمزايدات التي لها علاقة بالقطاع الحكومي وفي نفس الوقت فإن وزارات الدولة تقوم بفرض قيود على منح الرخص التجارية عند القيام بإنشاء منشأة تجارية أو خدمية لها علاقة، من قريب أو بعيد، بأنشطة القطاع العام. إن استمرار القطاع الحكومي، بشكل مباشر أو غير مباشر، في إنشاء وإدارة القطاعات الخدمية حجب وسيحجب الاستثمار فيها من قبل القطاع الخاص وأدى إلى تقليل دوره وتشتيت جهوده في أنشطة قليلة الجدوى. ويجب ألا نتناسى أن الجهات الحكومية، لا تزال، لا تثق بالشركات المحلية وعلى قناعة تامة بأن كل ما هو قطري لا يرقى إلى أن يكون أداة لتطوير وتنفيذ المشاريع. كل تلك الأمور وغيرها الكثير قد أدت إلى فوز الشركات الأجنبية بعقود المشاريع الكبيرة وبدورهم يتعاقدون بالباطن مع الشركات المحلية، التي لا تثق بها الجهات الحكومة، لتنفيذها. لقد أثبتت الشركات القطرية أنها تستطيع تنفيذ أكبر المشاريع ولكن المشكلة الرئيسية أن الشركات القطرية لا تزال صغيرة في مواردها المالية ولا تستطيع بنفسها تقديم الضمانات المالية المطلوبة للمناقصات الكبيرة. إن بريطانيا، وكما نعلم، لديها مجلس لدعم المنشآت الصغيرة وهي تقدم الضمانات المالية الأولية لقاء رسوم ضئيلة وعند فوز أي منشأة بمناقصة فإن البنوك التجارية البريطانية تتقدم إلى الشركات، وليس العكس، بتوفير الضمانات النهائية لتنفيذ العمل.

وكما قلنا فإننا لا نختلف مع معاليه بأن دور القطاع الخاص "لا يلبي طموحاتنا" ولكن الاستمرار في تجاهله يعتبر خطيراً جداً وإن توجه القطاع الحكومي التنافسي مع القطاع الخاص يحتم إعادة صياغة الخطة الاستراتيجية بقصد تفعيل مشاركة القطاع الخاص وتعزيز قدرته التنافسية، وذلك لضمان استمرارية النمو الاقتصادي، وبالأخص أن المرحلة القادمة تحمل معها تحديات كبيرة تتطلب من الجميع بذل جهود كبيرة، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها نظام العولمة وتفرضها الأزمات المالية العالمية المتكررة.

وفي الختام، وكما ذكرنا في مقالة سابقة، يجب الأخذ في الاعتبار أن دور الدولة حماية عملية المنافسة وليس المتنافسين، وبدون هذا الدور الفعال لن تتحقق تنمية اقتصادية واجتماعية ولن نشاهد زيادة في الإنتاج ولن يتحقق رخاء للمواطنين ولن يرفع مستوى معيشتهم ولن يوفر فرص عمل لهم والأهم من ذلك لن يضمن زيادة الكفاءة الاقتصادية ولن يقود إلى نمو وتنمية حقيقية لكل قطاعات الدولة

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع