الشركات الأجنبية وتأخر دفعاتها

 

الشركات الأجنبية وتأخر دفعاتها

في زيارة لوزارة من الوزارات انقطع خيط المسبحة الذي يجمع حباتها، ولأن مكتب المسئول من الرخام الإيطالي فقد تبعثرت يمنة ويسرة وقام الجميع بتجميع حباتها وبعد فترة تم إيقاف البحث والنتيجة أن أكثر الحبات تم استردادها وفقد جزء يسير منها. فقلت للمسئول إن ما حدث للمسبحة هو ما يحدث في أرض الواقع بين الشركات الأجنبية الحاصلة على العقود الرئيسية والشركات المحلية التي تعمل بنظام العقود من الباطن. فرد المسئول أنه لا يفهم ما المقصود. فقلت له ان الكركوشة الثابتة، مع عدم أهميتها في التسبيح إلا انها هي البارزة والتي تجذب النظر إليها وتمثل في الواقع الشركات الأجنبية، أما حبات المسبحة، المهمة في التسبيح وتقوم الأصابع بتحريكها واللعب بها فهي تمثل الشركات المحلية. أما الخيط الرقيق الذي يجمع الكركوشة مع حبات المسبحة فهو يمثل العلاقات المالية بين الشركات الأجنبية والشركات المحلية والذي بانقطاعة تحدث المشكلة.

إن المسبحة في قطر، وبسبب الإجراءات الإدارية العقيمة، دائمة الانقطاع لأن الشركات المحلية تعاني فعلاً من عدم قيام الشركات الأجنبية من صرف المخصصات المالية لها، وربما، في بعض الشهور، تتكرم تلك الأجنبية على الوطنية بصرف نصف حقوقها، علماً بأن العديد من الشركات المحلية ملتزمة بقروض مالية او دفعات منتظمة لجهات معينة. فقمت بسؤال إحدى الشركات الأجنبية عن أسباب عدم انتظامهم بالدفع للشركات المحلية فقالت: إن الحكومة ممثلة بالهيئة العامة للأشغال ليست ملتزمة بالدفع في الوقت المناسب وتكون نتيجة ذلك عدم القدرة على الدفع للشركات المحلية التي تعمل وفق ما يسمى بنظام العقود من الباطن. وقمت بعد ذلك بسؤال أشغال فقيل لي إنه بعد التأكد من إتمام أي مرحلة فإنهم يرفعون طلب صرف الدفعة لوزارة الاقتصاد والمالية. فاتصلت مع الوزارة فقيل لي ان المسئول مسافر. لكن الملاحظة الجديرة بالاهتمام أن كل طرف ألقى على الطرف الآخر المسؤولية في تأخير إجراءات الدفع والنتيجة المؤسفة أن الدفع يتأخر وبه يتأخر إنجاز أي مشروع عن الموعد المحدد.

إن أشغال قد عانت الكثير، خلال الاعوام المنصرمة، من بعض الشركات الاجنبية التي لا تلتزم بتنفيذ المشاريع المسندة اليها في الاوقات المحددة المتفق عليها. في حين طالبت الشركات الأجنبية باستحقاقات مالية كبيرة (وصلت مطالبة إحدى الشركات الى 600 مليون ريال) والكثير من تلك الشركات أوقفت العمل بالمشاريع لنقص السيولة وعدم تسلمهم ايا من الدفعات المستحقة لهم.

إن خطر تخلف الشركة الأجنبية عن تسديد الدفعات عن الأعمال المنجزة تكون نتيجته وبالا على الشركات المحلية وتلحق بها ضرراً بالغاً للغاية يتمثل في انخفاض التدفق النقدي وترتفع حصيلة التكاليف مما يجعلها عرضة لأن ينتهي بها المطاف فيما يسمى بفخ الديون الذي يؤثر على قدرتهم بالاستمرار في تقديم السلع والخدمات للمجتمع. في حين أن التذبذب في الدفع يكون أثره أيضاً كبيرا لأنه في حالة عدم التأكد فإن الشركات تكبح معدل الإنفاق وهذا يؤثر على حجم الطلب الكلي في الاقتصاد المحلي وسيؤثر على الشركات المزودة الأصغر لأنه ستنخفض لديهم القدرة النقدية المتوقعة وبالتالي ستنخفض قدرتهم في تقديم سلعهم وخدماتهم.

إن تأخر الشركات الأجنبية، أياً كان السبب، في دفع المستحقات المالية أو تذبذبها عن الأعمال المنجزة للشركات المحلية خطير جداً وإليكم جزءاً يسيراً من نتائج هذا الأمر:

توقف عجلة الاقتصاد المحلي: لأن الشركات المحلية لن تستطيع الدفع لأصحاب المحلات والشركات وأصحاب المهن والحرف مما سيؤدي الى انخفاض الطلب الكلي وتدهور القدرة على الانتاج وتحقيق الأرباح وهذا يؤدي إلى توقف أو على الأقل يبطئ من الدورة الاقتصادية للمجتمع.

الموظفون: عدم تسلم الموظفين رواتبهم في المواعيد المحددة يخفض من القدرة الشرائية وحجم الانفاق الكلي للموظفين لأنها تجعلهم يعيدون جدولة مصاريفهم مما يؤثر على الحركة التجارية في الأسواق المحلية الذي يقلص من ربحية التجار وفرص تطورهم واستثماراتهم. والخطر الأكبر أنه يخلق انخفاضا في قيمة الاجور الحقيقية مما يؤدي إلى انحسار في الطبقة الوسطى واتساع في دائرة الفقر.

المجتمع: اذا استمرت حالة عدم الدفع أو تذبذبه فإن ذلك سيؤدي إلى إفلاس ومن ثم اختفاء بعض الشركات، أو على الأقل تقل وتتراجع مستويات أرباحها الذي سيجبرها على الاستغناء عن بعض العمال لديها (حتى إغلاق مخبز صغير يؤثر على المجتمع) وتكون النتيجة الحتمية بروز الطبقية في المجتمع، طبقة غنية وهي محدودة العدد وطبقة فقيرة وهي الأكبر.

وفي الختام نقول إن تأخر أو تذبذب دفع المستحقات لا يربك الاقتصاد المحلي فحسب وإنما أثره يمتد لكل فئات المجتمع، وإن الشركات القطرية باتت مهددة بالإفلاس والخروج من السوق في ظل عدم سداد الدفعات يضاف إليها نقص حجم الأعمال وزيادة تكاليف العمالة. ولا أعتقد أن الحكومة عمياء عما يجري على الشركات المحلية ومع ذلك لم تقدم شيئاً لحل هذه المشكلة فالمطلوب هو تغيير المنهجية والفلسفة الاقتصادية التي تسير عليها الحكومة وإيجاد آلية تلزم الشركات المعنية بسداد دفعات الشركات المحلية.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع