مدلول المشاورة بين وزيرين

 

مدلول المشاورة بين وزيرين

طالعتنا الصحف في شهر يناير 2013 بخبرين متنافرين يتعلقان بتحديث التشريعات القائمة أحدهما ورد من سعادة الشيخ جاسم بن عبدالعزيز آل ثاني وزير الأعمال والتجارة ويتعلق بتحديث قانون الشركات التجارية والآخر من سعادة السيد يوسف حسين كمال وزير الاقتصاد والمالية ويتعلق بقانون التقاعد والتأمينات الاجتماعية. والسبب في تنافر التصريحين هو أسلوب معالجة تحديث التشريعات. فلقد ذكر وزير الأعمال والتجارة أن تحديث القانون هو من أجل تبسيط وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأسيس الشركات التجارية واشار سعادته إلى أهمية مشاركة الاطراف المعنية بالرأي قبل إجراء أية تعديلات، وعليه فقد تم تعميم مسودة مشروع القانون ونشرها على الموقع الالكتروني للوزارة لطلب مرئيات العموم لضمان خروج القانون في صورته النهائية معبراً عن آراء المخاطبين به وملبياً لتطلعاتهم ومحققاً لبيئة أعمال مثلى تتميز بالسهولة واليسر. وفي الجانب الآخر ذكر وزير الاقتصاد والمالية في كلمة قدم بها التقرير السنوى لأنشطة وأعمال الهيئة العامة للتقاعد والمعاشات لعام 2011 أن مشروع قانون التقاعد الجديد الذي أعدته الهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية وجار استصداره، يعالج العديد من المشاكل التي كانت تواجه التطبيق العملي للقانون الحالى مما سيعمل على إرساء أفضل نظام للتأمينات الاجتماعية في الدولة على مستوى العالم.ولقد حاولت في فترة سابقة الحصول على مسودة ذلك القانون من هيئة التقاعد والمعاشات أو من وزارة الاقتصاد والمالية أو من وزارة العدل فباءت جميع محاولاتي بالفشل الذريع والسبب في ذلك راجع للسرية القصوى والتكتم الشديد التي أحيط بها مشروع القانون الجديد. إن وزير الاقتصاد والمالية ذكر في ذلك التقديم أن التعديل هو لإضافة العديد من المزايا والمنافع للخاضعين لمشروع هذا القانون بهدف ضمان معيشة طيبة لهم وللمستحقين من بعدهم، بكل عدالة ومساواة للجميع فى الحقوق والمنافع دون استثناء. كلام حلو.. ولكن هل يستشعر الوزير بإحساس المواطن المتقاعد علماً بأن الوزراء لا يشملهم قانون التقاعد وبذلك لا يعانون من توقف البدلات المتنوعة وبالأخص بدل السكن ولا تحديد الراتب التقاعدي المقترح إلى آخره من المواد التي من الممكن أن تقصم ظهر المتقاعد. وهنا تأتي أهمية المشاورة وبالأخص من المواطنين الذين سيطبق عليهم القانون. وأعتقد، وهذا رأيي الشخصي، بأن لو قانون التقاعد طبق على الوزراء لحصلنا على قانون ينطق بمصلحة الجميع.

إن رب العالمين قال في محكم تنزيله ".. وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" الشورى: 38، وقال تعالى ".. وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" آل عمران: 159. ونجد رب العالمين،في هذه الآيات يأمر نبيه بالشورى أو المشاورة بقصد تأليف قلوب أصحابه وليقتدي بها من يأتي من بعده وقال رسولنا الكريم "كل ابن آدم خطاء.." ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه "أشيروا علي أيها الناس". وفي هذا السياق نجد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول "نعم المؤازرة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد". وبما أن الشورى كانت أمراً دارجاً بين الصحابة والتابعين والعلماء الراسخين فأفلحوا ونجحوا فيما فشلنا نحن في جمع الناس على قلب واحد.

إن للمشاورة، في المسائل التي تمس حياة الناس، فوائد عديدة، منها:

• تأليف القلوب وجمع الكلمة، وسد منافذ الشر، والقيل والقال.

• تنسيق الجهود وتجميعها، والقضاء على الازدواجية والتداخل.

• التدريب والإعداد، واكتشاف المواهب والطاقات.

• البحث عن الحق والصواب والوصول إلى أقرب الوسائل الملائمة للأمر المتشاور فيه.

• وسيلة للاجتماع، واستثمار الطاقات، وباب من أبواب التعاون على البر والتقوى.

ولا ننسى أن المشاورة أدعى لقبول الأمر الناتج عن التشاور. وإذا قام أولياء الأمر أو المسئولون بجمع أهل الرأي وشاوروهم في أمور حياتهم فإنه تطمئن نفوسهم، وتجعل محبة الناس لهم راسخة لأنهم علموا أنهم ليسوا بمستبدين عليهم وإنما هم ينظرون إلى المصلحة العامة للجميع. ودائماً نجد أن نسبة الخطأ عند المشاور ضئيلة وإن أخطأوا أو لم يصدر القانون بشكله الأمثل فإن أولياء الأمر أو المسئولين ليسوا بملامين لأن ما حدث قد حدث بمشاركة الجميع وليس بفعلهم وحدهم.

وفي الختام فإننا كأفراد من المجتمع القطري نشكر سعادة وزير الأعمال والتجارة على هذه السنة الحميدة وعلى ثقته في المجتمع القطري من مواطنين ومقيمين للمشاركة في تحديث قانون الشركات التجارية. ونسأل رب العالمين أن يلهم بقية الوزراء بالاقتداء به وبالعمل لما فيه صالح البلاد والعباد.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع