جهاز قطر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة

 

جهاز قطر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة

إن التنويع الاقتصادي، رغم ما أنعم الله على قطر من موارد طبيعية، بات أمراً أساسياً لها لكي تتمكن من مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية في المستقبل. ولهذا ليس بغريب قيام معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بالتصريح في أحد اللقاءات التشاورية مع رجال الأعمال بأن الدولة "لم تدخر جهداً لإنشاء جهاز قطر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لدعم أنشطة أصحاب المبادرات والمشاريع التي تتميز بالإبداع والابتكار والقيمة المضافة الحقيقية". إنني من المؤدين لإنشاء جهاز قطر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ولقد تقدمت منذ سنوات عديدة كأول قطري لإنشاء الجمعية القطرية لمشاريع الشباب، ووافق كبار رجال الأعمال والمفكرين الاقتصاديين القطريين للدخول كمؤسسين. وهذه الجمعية لا تختلف في أهدافها عن أهداف جهاز قطر للمشاريع. ولكن حتى هذا اليوم لم نحصل على الموافقة لإنشاء الجمعية وكل ما نسأل وزارة الشؤون الاجتماعية عن وضع الجمعية يتم إخبارنا بأن الجمعية لا تزال تحت الدراسة.

إن كل ما ذكره معالي رئيس مجلس الوزراء في اللقاءات التشاورية والتصريحات الصحفية اللاحقة عن رؤيته للجهاز صحيحة مائة في المائة ولكن كل ذلك يعتمد على آلية التنفيذ. وهنا تبدأ المشكلة فلقد ذكر القائمون على الجهاز في تصريح لجريدة الرؤية الاقتصادية بتاريخ 10 مايو 2010 "أنه لن يكون هناك دعم مالي حكومي مباشر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإنما آليات تنفيذية نعمل من خلالها مع شركاء ماليين وغير ماليين على توصيل الخدمة للمستثمرين بأعلى قيمة". وأكدوا أن الجهاز "لن يتبنى المشاريع الصناعية التي طرحت سابقاً لعدم جدواها الاقتصادي، وتم رفضها من جهات تمويلية أخرى". في حين أن الرئيس التنفيذي للجهاز أكد أن الجهاز سيدعم 500 شركة صغيرة ومتوسطة خلال العام الحالي، وأن هذا الدعم يتمثل في تقديم المساعدة على مستوى الاستشارات المالية وتدقيق الحسابات والاستشارات القانونية والهيكلية للشركات، حيث سيقوم الجهاز بدعم كلفة هذه الخدمات لتعرض بأسعار مخفضة على الشركات الصغيرة والمتوسطة المنتفعة بالبرنامج. وهذه التصريحات وغيرها الكثير هي خطيرة في حد ذاتها. فهو يجعلنا نتسائل 1. كيف لن يكون هناك دعم مالي مباشر؟ هل المبالغ المرصودة هي للعرض فقط. 2. كيف تستطيع الحكم على أي مشروع بالفشل قبل أن يقوم الجهاز بدراسته فربما الآليات التي تستخدمها تلك الجهات تختلف عن الآليات المخطط لها من قبل الجهاز؟ بالإضافة إلى ذلك فقد وضع القائمون على الجهاز شرطاً لأي مشروع يسعى للحصول على دعم من الجهاز بأن يكون أصحابه من القطريين فقط وهذا كما أعلمه مخالف لتوجهات سمو الأمير المفدى وبه لن نستطيع نقل وتوطين التكنولوجيا التي هي في الأساس أجنبية وسوف يكون أصحاب المشروع مستخدمين للتكنولوجيا فقط وهذا لن يحدث نقلة نوعية في التقدم الصناعي المنشود.

إن حاضنات المشاريع هي في الأساس تحتضن المبادرين وأصحاب الأفكار والمشروعات التي تقدم منتجات وخدمات جديدة ومتطورة تؤدي إلى إحداث تنمية متعددة الأهداف، من تكنولوجية واقتصادية واجتماعية. والخبراء الأمريكان يطلقون على الحاضنات مسمى "معهد إعداد الشركات". فمهمة الحاضنة هي تسهيل فترة البدء في إقامة المشروع من خلال توفير جميع أنواع الدعم، من دعم فني وإداري وتمويلي وتسويقي للمشروعات المشتركة بها وهي خدمات جماعية بتكلفة ميسرة والهدف منها هو القضاء على أهم الصعوبات التي تواجه المشاريع في بداية انطلاقها.

ولقد علمنا، كما صرح به بعض المسؤولين، بأن وفوداً من وزارة الأعمال والتجارة قامت خلال الفترة السابقة بزيارات إلى سنغافورة وماليزيا وأيرلندا وكوريا الجنوبية للاستفادة من تجاربها في مجال تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وفي هذا فإنني أقول اننا في قطر لا نستطيع أن نطبق سياسة القص واللصق لأن ذلك سيجعل استراتيجية الجهاز وأهدافه مشوهة فمثلاً لا نستطيع أن نطبق التجربة الأيرلندية، التي ذكرت من قبل بعض المسؤولين، بأنها رائدة على مشاريع الجهاز لأن الأهداف تختلف كلياً بيننا وبينهم فسياستهم تعتمد على"المؤسسات الصغيرة والمتوسطة" وليس على "المشاريع الصغيرة والمتوسطة" وهناك فرق كبير بين المصطلحين.

وفي الختام فإن الجهاز إذا أراد النجاح للمشاريع الصغيرة والمتوسطة يجب أن يبادر بإطلاق ما يسمى حزمة المشاريع المتماثلة ويطرحها واحدة تلو الأخرى وليس عن طريق التقدم بالمشاريع للجهاز، وإذا لم ينتهج هذا الأسلوب فإنه من الأصوب أن يترك تقديم هذه المساعدات لبنك قطر للتنمية، مع تحفظي الكامل على دور هذا البنك.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع