المنتخب القطري وأسس التربية

 

المنتخب القطري وأسس التربية

لم أشاهد في دورة الخليج العربي لكرة القدم سوى مباراة واحدة بين قطر والامارات التي انتهت بفوز الأشقاء بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد من منتخبنا.. وبعد كثير عليهم.. من ضربة جزاء. وفي هذه المباراة ظهرت السياسات العقيمة لتنمية وتطوير المنتخب الوطني بأروع أشكالها. وعندما استعرضت أسماء الفريق لم أجد سوى ثلاثة أفراد فقط هم من المواطنين والباقي مستوردين كما هو الحال في كثير من احتياجات البلد من السلع والخدمات والقوى البشرية. وسألت وكأنني لا أعرف: من هم الذين سيعتمد عليهم في السنوات القادمة؟ فقيل: ربما هناك قوائم للاعبين جدد سوف يتم استيرادهم في المستقبل.

انه لأمر محزن ومؤسف أن لا نشاهد مواطنين يحملون رايات بلادهم في جميع المجالات. والسبب في ذلك يعود، كما أراه، الى التربية والاعداد التربوي. انه من المعروف، أن الشخص عندما يكون طفلاً ليست له شخصية وذلك مصداقاً لقول رسولنا الكريم "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه.." فعليه يسهل تشكيل شخصية الطفل للهدف المرسوم له. ولذلك بني المنهج التربوي (وليس الكتب الدراسية كما هو الحال الآن) لاستلام الطالب الخام لتشكيله حسب الأهداف المطلوبة. ومن أحد الأهداف الهامة هو اعداد الرياضيين من المواطنين. وبما أن الرياضات المطلوبة هي الرياضات الجماعية فلذلك ركز المنهج على الأنشطة الجماعية بدءاً من طابور الصباح مروراً بوجبة الفطور ووجبة الغداء والكل، الغني والفقير، يجلس على نفس الطاولة ويأكل نفس الطعام. وكانت الوزارة تنظم سنوياً مهرجاناً مدرسياً لمدارس الدوحة وضواحيها وعلى كل الطلاب المشاركة فيه كل حسب عمره وفي هذه المهرجانات يتم اجبار الطلاب على ترديد نشيد موحد ومتجدد سنوياً يغرز في نفوس الطلبة الانتماء للأرض وعلى أيامي كان النشيد هو:

قطر.. قطر بنت الصحراء *** أفدي ضيك بنور عني

سماؤك الصافية الزرقاء *** وخير أرضك عاد الي

كلمات بسيطة لكنها تصبح ملازمة للشخص في كل عمل يقوم به طيلة حياته وهي التي تشكل شخصيته بما يرسم له من أهداف لازمة التحقيق. وكان التركيز في مقرر التربية الرياضية على الألعاب الجماعية، مثل كرة القدم والسلة والطائرة واليد، ويجب على جميع الطلاب اختيار وممارسة احدى الألعاب الجماعية ليشارك فيها بل ويجبر الطلبة بالتسجيل في أحد النوادي الرياضية المتواجدة في منطقتهم (شخصياً كنت مسجلا في النادي الأهلي). ويقوم مدرسو التربية الرياضية كل حسب تخصصه بتوجيه الطلاب على ممارسة اللعبة بالشكل الصحيح ويركزون على أهمية تمرير الكرة لغيرهم حتى يكون هناك انسجام بين اللعيبة وكأنهم فرقة موسيقية معتبرة. وكان مدرسو الرياضة يغرزون في الطلبة المثل القائل "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب" وفي هذا كانت تجري مباريات بين الصفوف بالمدرسة الواحدة وكل طالب منحاز لصفه يشجعه ويشد من عزمه حتى يحقق الفوز بمنافسة شريفة. وعندما تجرى منافسات بين المدارس في هذه الألعاب فان الطلاب يجبرون على الوقوف خلف مدرستهم في التشجيع والنصرة. والملاحظ أن كل طالب كان لديه الشعور بأن مدرسته هي الأفضل وأن المدارس الأخرى هي أقل شأناً منها.

والسؤال هو: كيف تولد هذا الشعور وهذا الحس بالانتماء؟ ان منهج الأنشطة الجماعية في المدارس خلق أساساً لكسر الحواجز بين الطلاب على كافة مستوياتهم الاجتماعية. ان الأنشطة الجماعية تدرب الطلاب على القيادة والتشاور والتفاهم المتبادل كما تدعم شخصياتهم بما يلاقونه من تحديات، وما يقابلهم من مشاكل، وما يتحملونه من مسئوليات، كما تعينهم على تذوق قيمة الجهد والعمل الجماعي. ومن المعروف أن الأنشطة الجماعية واختيار نوع النشاط الذي يشترك فيه الطلاب تفوق في نتائجها على ما يتعلمونه في الصفوف فهي:

• تعود الطلاب على احترام النظام لأن كل نشاط له قوانينه وقواعده

• تنمية الهوايات الموجودة لدى الطلاب بغرض توسيع آفاقهم الفكرية

• اكتشاف مواهب الطلاب وقدراتهم لصقلها وتنميتها

• تعمل على اكساب الطلاب خبرات ومهارات جديدة

• تقوم ببناء شخصية الطلاب وتكاملها بما تقدمه من أنشطة متنوعة

• تؤدي الى حسن تعامل الطلاب مع أنفسهم، ومع بيئتهم، والارتقاء بمستوى أدائهم

• غرس الثقة في نفوسهم، والتعاون مع غيرهم، لمنفعتهم ومنفعة مجتمعهم

• علاج كثير من المشكلات النفسية التي يعاني منها بعض الطلاب كالشعور بالخجل، أو الانطواء وحب العزلة

• يلهب في الطلاب روح الحماس عن طريق المنافسة الشريفة في النشاط الذي يقومون به

وفي الختام فان هذا جانب بسيط لما كان عليه الاعداد التربوي الرياضي في السابق الذي خرج أجيالاً لا تعرف المستحيل وخرج أفواجاً من الرياضيين لا تزال أسماؤها تردد حتى الآن. ونترك لكم عملية المقارنة بين ما كان وما هو حاصل وما سوف يكون عليه المستقبل. ونتمنى أن تقوم المدارس في قطر بتعديل مناهجها وليس كتبها لتخريج مجموعة من الشباب المواطن نستطيع أن نطلق عليهم منتخب قطر الوطني.

والله من وراء القصد،،

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع