العجوز وردود الأفعال الحميدة

 

العجوز وردود الأفعال الحميدة

نشرت جريدة "الشرق"، يوم الأحد الماضي بتاريخ 6 /1 /2013، مقالتي عن إحدى المواطنات من كبار السن، وكيف أنها نزلت من الشمال ولم تستطع مقابلة المسؤول، لحل مشكلة بيتها المتصدع، بل وجدناهم يوجهونها لأجهزة حكومية أخرى، ليست ذات علاقة بموضوعها. وفور النشر انهال سيل التفاعل من خلال جميع وسائل الاتصال، مثل الهاتف والمسجات والإيميلات وموقع تويتر، والكل مستاء من تصرف المسؤول، وفي نفس الوقت أبدى العديد منهم رغبته في معرفة أين يقع بيت العجوز، حتى يبادر بالمساهمة في رفع معاناتها، ويكسب الأجر من الله. وهذه الردود ذكرتني بقول الشاعر:

تراه إذا ما جئته متهللاً * * * كأنك تعطيه الذي أنت نائلُهْ

هو البحرُ من أيِّ النَّواحي أتيتهُ * * * فَلُجَّتهُ المعروفُ والجودُ ساحلُهْ

تعوَّدَ بسطَ الكفِّ حتَّى لوَ انَّهُ * * * دعاها لقبضٍ لم تُجِبْهُ أناملُهْ!!

وهو وصف لما لمسته من تفاعل السكان في قطر، من مواطنين ومقيمين، مع هذه الحالة وغيرها من الحالات الإنسانية. وهؤلاء، وكما وعدهم رب العالمين، لا خوف عليهم في قوله تعالى "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (262) البقرة. ورسولنا الكريم يبشرنا بقوله: "مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أم آخره"، وفي هذا وصف للأمة الإسلامية قاطبة، سابقِها ولاحقِها وأولِها وآخرِها بالخير، وأنها ملتحمة بعضُها مع بعض مرصوصة كالبنيان. وهذا فيه بشارة عظيمة لنا بأن الخير موجود في هذه الأمة، إلى قيام الساعة.. والتسابق إلى الخير، والمسارعة إلى أعمال البر، صفة لا يتصف بها إلا المؤمن الصادق، وهو دليل على حب الله تعالى له، وأنه قد اختاره ليجعله في الأرض مفتاحاً من مفاتيح الخير، فقال تعالى "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ" الأنبياء:73.

ونقول لذلك المسؤول، ولغيره ممن ائتمنهم وكلفهم ولي الأمر لخدمة الناس، من مواطنين ومقيمين: إن فعل الخيرات في ديننا الإسلامي له سبله المتنوعة، وطرقه المتشعبة، فلا يتوقف عند الزكوات والصدقات، بل يتعداها إلى كل قول حسن، وكل فعل طيب. وإن المؤمن الصادق هو من يحب الخير لنفسه وللآخرين، بل ويسعى إلى تفريج الكربات عن الناس، حتى ينال من ربه حسن الجزاء وفيض العطاء في الدنيا والآخرة، وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ". ونقول لبعض المسؤولين، والحمد لله هم ليسوا بالكثر، افتحوا أبوابكم أمام المراجعين، على الأقل يوماً واحداً في الأسبوع، وحطموا الأقفال الإلكترونية الرقمية من على أبواب مكاتبكم، ومكاتب مديري مكاتبكم، حتى يشعر الجميع بأنكم منهم، وهم منكم. وتأكدوا أن الذي سيقصدكم هو في حاجة لكم لإنهاء ما كلفكم به ولي الأمر، وعجز عنه موظفكم. وتذكروا قول أبي العلاء المعري في ياقوت عندما قال له: ياقوتُ ما أنتَ يا قوتٌ ولا ذهبُ * * * فكيف تُعجِزُ أقواماً مساكينا

لا يتركنّ قليلَ الخير يفعلُه * * * من نالَ في الأرض تأييداً وتمكينا

وفي الختام؛ فإني أشكر إخواني وأخواتي على جهودهم الطيبة، وأعمالهم المباركة وحبهم لمساعدة غيرهم، وإغاثة الملهوفين، ومواساة الفقراء والمساكين، ونسأل الله لمن قام بالتقدم لطلب مساعدة هذه العجوز عظيم الأجر والثواب. وبهذه المناسبة؛ فإني أشكر دولتنا وفقها الله، وعلى رأسها سمو الأمير المفدى وولي عهده الأمين على كل ما يبذلونه من جهود طيبة لصالح المواطنين والمقيمين. ونشكر جريدة "الشرق" والقائمين عليها في تبني عملية الإصلاح الاجتماعي. ونقول للمسؤولين ـ أياً كانت مواقعهم ـ اتقوا الله في عباد الله.

والله من وراء القصد.

Comments

Popular posts from this blog

مجلس الشّورى والتّقاعد

الحصار وتخبط غرفة قطر

الأرض والقرض للجميع